للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وإذا انتقض قول الحاكم في سماعه من عائشة انتقض في أم سلمة؛ لأنه مبني على دعوى أنه دخل على عائشة وأم سلمة جميعًا.
وقد جزم علي بن المديني بأنه لم يسمع منها، قال في العلل نقلًا من تهذيب التهذيب (٥/ ٦٨): «لم يسمع من زيد بن ثابت، ولمَ يلْقَ أبا سعيد الخدري، ولا أم سلمة».
ونقل ذلك ابن حجر في نتائج الأفكار (١/ ١٦٠)، فقال: «لم يسمع الشعبي من أم سلمة، وعلى هذا فالحديث منقطع ..... فعلل من صححه سهَّل الأمر فيه؛ لكونه من الفضائل، ولا يقال: اكتفى بالمعاصرة؛ لأن محل ذلك أن لا يحصل الجزم بانتفاء التقاء المتعاصرين إذا كان النافي واسع الاطلاع مثل ابن المديني، والله أعلم».
وقد اعتمد الحاكم في ثبوت السماع على أمرين:
أن الشعبي دخل على عائشة وأم سلمة جميعًا، ثم أنه أكثر من الرواية عنهما جميعًا.
فهل صح دخول الشعبي عليهما؟ وإن صح فهل يلزم منه سماع التحمل والرواية؟ فكم من رَاوٍ أثبت الأئمة لقياه لِرَاوٍ آخر، ونفوا عنه سماع التحمل والرواية، ولا أدل على ذلك من قول الحاكم نفسه عن عائشة: إنه لم يسمع منها في معرفة علوم الحديث.
وإذا جاء إثبات اللقاء ونفيه من إمامين، فالأصل أن المثبت مقدم على النافي؛ لأن معه زيادة علم إلا أن في مسألتنا هذه ما يعكر على تقديم المثبت: أن المثبت بنى حكمه على إمكان اللقيا، وهذا ليس إثباتًا في الحقيقة، فلا يقدم على من جزم بعدم اللقيا، فالظاهر من حكم أبي داود أنه بنى حكمه على تأخر وفاة أم سلمة رضي الله عنها، وهذا لا يلزم منه إلا إمكان اللقيا، فلا يعارض به كلام ابن المديني وقد جزم بنفي اللقيا، والله أعلم.
وقول الحاكم: ثم أكثر من الرواية عنهما لم يَصِلْ إلينا ما رواه عن أم سلمة إلا أربعة أحاديث، هذا أحدها.
والثاني: حديث كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بعد الفجر: اللهم إني أسألك رزقًا طيبًا، وعلمًا نافعًا، وعملًا متقبلًا.
والثالث: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر أمره، لا يقوم، ولا يقعد، ولا يذهب، ولا يجيء إلا قال: سبحان الله وبحمده، فقلت: يا رسول الله إنك تكثر من هذا الدعاء، فقال: إني أمرت بها، فقال: إذا جاء نصر الله والفتح إلى آخر السورة.
والرابع: حديث كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنبًا، ويخرج إلى المسجد، ولا يفطر، ثم يصبح صائمًا.

العلة الثانية: وهي الاختلاف في إسناده.
فقد رواه منصور، عن الشعبي، عن أم سلمة، ولم يختلف فيه على منصور.
وتابعه مجاهد، وعطاء كما سبق.
ورواه زبيد اليامي، واختلف على زبيد اليامي فيه:
فرواه الطبراني في الدعاء (٤١٧) من طريق أبي حذيفة، حدثنا سفيان الثوري، عن زبيد، ...
عن الشعبي، عن أم سلمة كرواية الجماعة.
وأخرجه النسائي في السنن الكبرى (٩٨٣٦) وفي عمل اليوم والليلة (٨٨)، أخبرنا محمد بن بشار من حديث عبد الرحمن (بن مهدي)، عن سفيان، عن زبيد اليامي، عن الشعبي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلًا.
ورواه أبو بكر الهذلي، عن الشعبي، عن عبد الله بن شداد، عن ميمونة.
أخرجه الطبراني في الكبير (٢٤/ ٩) ح ١١، وفي الدعاء (٤١٩)، والهذلي ضعيف.
ورواه مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة مرفوعًا.
أخرجه الطبراني في الدعاء (٤٢٠) من طريق عمر بن إسماعيل بن مجالد، حدثني أبي، عن مجالد به. وعمر بن إسماعيل بن مجالد متروك، وقال فيه ابن معين: كذاب.
ومجالد بن سعيد: ضعيف.
وهذا الاختلاف على الشعبي لا يضر رواية منصور عنه؛ لأنه لم يختلف على منصور في روايته، ولهذا قال الدارقطني في العلل (١٥/ ٢٢٢) بعد أن ذكر الاختلاف فيه: والمحفوظ حديث منصور ومن تابعه.
وقال الحافظ في نتائج الأفكار (١/ ١٦٠): وهذه العلة -يعني الاختلاف في إسناده- غير قادحة، فإن منصورًا ثقة حافظ، ولم يختلف عليه فيه .... والهذلي ضعيف، ومجالد فيه لين، وزبيد وإن كان ثقة لكن اختلف عليه، فجاء عنه كرواية منصور بذكر أم سلمة، فما له علة سوى الانقطاع، فلعل من صححه سهل الأمر فيه لكونه من الفضائل .... ».

<<  <  ج: ص:  >  >>