للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن رجب في شرح البخاري: «ويجاب عن هذه الروايات كلها على تقدير أن يكون ذكر الرفع فيها محفوظًا، ولم يكن قد اشتبه ذكر التكبير بالرفع، بأن مالك بن الحويرث ووائل بن حجر لم يكونا من أهل المدينة، وإنما كانا قد قدما إليها مرة أو مرتين، فلعلهما رأيا النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك مرة، وقد عارض ذلك نفي ابن عمر، مع شدة ملازمته للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وشدة حرصه على حفظ أفعاله واقتدائه به فيها، فهذا يدل على أن أكثر أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ترك الرفع فيما عدا المواضع الثلاثة والقيام من الركعتين» (١).

وهذا الجمع يتجه لو كانت الأحاديث التي ظاهرها التعارض صحيحة، فيقال بالجمع بدلًا من تعطيل أحدهما، أما إذا كانت الأحاديث في ترك رفع اليدين في السجود صحيحة بل في غاية الصحة، والأحاديث المقابلة إما شاذة، لا يعتبر بها، وإما منكرة، فإن الجمع بينها وبين الأحاديث الصحيحة سوف يكون على حساب دلالة الأحاديث الصحيحة، فإنك لا تجمع بين حديثين إلا قيدت مطلقًا، أو خصصت عامًّا، أو تأولت بأنك حملته على حال دون حال، على خلاف الظاهر مراعاة للحديث الضعيف مما يعود على جزء من دلالة الأحاديث الصحيحة بالبطلان، مع أن المقابل ليس بذلك القوة التي تجعلك تتحمل مثل هذا الإهدار، فإذا كانت ليست في الصحة بذاك، فلا ينبغي أن تزاحم بها الأحاديث الصحيحة، وإن كنت تعذر من اجتهد من أهل العلم، ورأى أن هذه الأحاديث صالحة للحجة، فهو وما ذهب إليه؛ إذ المسألة من مسائل الخلاف، والله أعلم.

* الراجح:

أرى أن الراجح في رفع الأيدي في الصلاة يكون في مواضع ثلاثة، عند تكبيرة الافتتاح، وإذا أراد الركوع، وإذا رفع من الركوع، هذه الأحاديث السالمة من المعارضة، يليها في الترجيح الرفع إذا قام من الركعتين، وأضعفها الرفع إذا أراد السجود، وإذا رفع من السجود، والله أعلم.

* * *


(١). فتح الباري (٦/ ٣٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>