للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* ويجاب عن هذا:

بأن هذا احتمال بعيد جدًّا، بحيث لا يتصور أن المصلي يخل بالطمأنينة في الركوع والسجود، ثم يكون قد سبَّح في ركوعه، وسجوده، فلو أنه قد سبَّح في ركوعه، ولو مرة واحدة لكان قد اطمأن في صلاته؛ لأن الطمأنينة بقدر تسبيحة واحدة على الصحيح، فلما أمره بالاطمئنان بالركوع والسجود لإخلاله به لزم منه الإخلال بالتسبيح من باب أولى، ولما لم يأمره بالتسبيح دل ذلك على عدم وجوبه في الصلاة.

الاحتمال الثاني: أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمره بالتسبيح لأنه لم يكن واجبًا حين ذاك، ثم شرع وجوبه فيما بعد.

* ويجاب على هذا:

بأن تجويز هذا الاحتمال نظريًّا غير ممتنع، ولكنه من حيث تطبيقه على الواقع بعيد،

لأن التشريع الأول قبل وجوب التسبيح، لا يخلو: إما إن يكون الركوع شرع أول ما شرع خاليًا من الذكر، ثم شرع الذكر.

وإما أن يكون التشريع الأول كان التسبيح مستحبًّا، ثم ألزم الناس به بعد ذلك.

وفي الحالين لو كان هذا هو الواقع لنقل للأمة النصوص التي تبين لنا التدرج في التشريع، ولاحتاج الصحابة إلى النصوص التي تبين لهم أن الركوع الذي كان مشروعًا دون تسبيح، أو كان الذكر فيه مستحبًّا قد رفع، وأصبح واجبًا عليهم التسبيح في الركوع والسجود، حتى ينتقل الناس إلى الحكم الجديد، كما حفظت لنا النصوص نسخ التطبيق بالركوع والسجود والذي كان معمولًا به في صدر الإسلام، وكما حفظت لنا النصوص نسخ توسط الإمام في الصف إذا كان يصلي معه اثنان، إلى مشروعية تقدم الإمام إذا كانوا ثلاثة، فلما لم ينقل لنا في تاريخ تشريع الصلاة أن الذكر في الركوع لم يكن مشروعًا ثم شرع، وكذلك لم ينقل لنا أنه كان مستحبًّا، ثم ألزم الناس بالتسبيح، كان تصور التدرج في التشريع ضعيفًا جدًّا، والأصل عدم التدرج في التشريع، وعدم وقوع النسخ، والله أعلم.

الاحتمال الثالث: أن يكون التسبيح في الركوع والسجود ليس واجبًا، وهو أقواها، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>