فقال:(يعتزلن الصلاة)، فعلم أن المراد باعتزال المصلى اعتزال الصلاة نفسها.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون بالفلاة من الأرض، وليس بالمسجد، فإذا طلب منهن اعتزال المصلى علم أن المراد من ذلك الصلاة.
وحتى لا يقطع الحيَّض صفوف الطاهرات، طلب منهن أن يَكُنَّ خلف الصفوف.
فقد رواه البخاري، من طريق عاصم الأحول عن حفصة،
عن أم عطية قالت: كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد، حتى نخرج البكر من خدرها، حتى نخرج الحيض فيكُنَّ خلف الناس، فيكبرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته.
هذا لفظ البخاري، وأخرجه مسلم عدا قوله:(يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته)(١).
وكون الحيض خلف الناس لا يلزم منه أن يكنَّ خارج المصلى، وقد استعمل الرسول صلى الله عليه وسلم لفظ المصلى، وهو أخص من المسجد، فكل مسجد مصلى، وليس كل مصلى مسجدًا، ولو كان مسجدًا لقال: ليعتزلن المسجد.
وحتى لو سمي مصلى العيد مسجدًا، فإن هذا لا يعني أنه يأخذ أحكام المسجد، فإذا كان لا يشرع فيه الاعتكاف لم يمنع منه الجنب والحائض على الصحيح؛ لأن كل مكان اتخذ موضعًا للسجود يصح أن يقال له: مسجد، ولذلك قد يتخذ الإنسان مسجدًا في بيته يخصصه لصلاته، وقد يتخذ العاملون مسجدًا في عملهم، يصلون فيه، وليس لهذه البقع حكم المسجد، وإن سميت مسجدًا من حيث اللغة.