للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا من الاختلاف في موضع الحمد.

الوجه الثالث:

كون الأئمة الأربعة لم يذهبوا إلى استحباب هذا الذكر، إلا وجهًا قال به النووي في التحقيق، وهو خلاف ما عليه جمهور الشافعية، مع إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذا الفعل، وترتب هذا الفضل العظيم، ولعل ذلك يرجع إلى أحد أمور:

الأول: الاختلاف في الحديث أقال الصحابي ذلك من أجل موضع التحميد، أم كان من أجل العطاس.

الأمر الثاني: كون النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينقل، ولا مرة واحدة أنه فعل هذا في صلاته، ولم يأمر به، فالسنة القولية والفعلية في صفة التحميد مقدمة على السنة التقريرية والتي جاءت بمبادرة من الصحابي ولم يكن هذا الذكر معهودًا في الصلاة، ولو كان هو الأفضل لعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - صحابته، وهو أحرص الناس على تعليم أمته ما ينفعهم، فلماذا لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه فعله، ولو مرة واحدة، أو حث على فعله بعد ذلك؟ وأما الثواب الذي ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - على افتراض أن الحديث محفوظ، فهو إما دليل على أن الحمد في الرفع من الركوع من الحمد المطلق، وللعبد أن يحمد ربه بما يراه مناسبًا للمقام؛ لأن الصحابي فعل ذلك من عند نفسه، لا بتوجيه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - يدل على جواز الحمد بما يراه الإنسان مناسبًا، وهو لا يدل على تفضيل هذه الصيغة على غيرها، فيكون الأجر مرتبًا على الحمد، لا على تعيين الصيغة، وإلا لفعلها النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو حث على فعلها.

قال ابن حجر: «يستدل بهذا الحديث على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور» (١).

وإما أن يكون هذا الثواب دليلًا على الجواز، مثله مثل ذلك الرجل الذي كان يكرر سورة الإخلاص، في كل ركعة، لكونها صفة الرحمن، فكان يحبها، فأحبه الله لذلك، وأي ثواب أعظم من أن ينال العبد مقام محبة الله له، ومع ذلك لم يكن


(١). فتح الباري (٢/ ٢٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>