والحديث الثاني: حديث أبي هريرة، وهو حديث غريب تفرد به محمد بن عبد الله بن حسن النفس الزكية، عن أبي الزناد، ولا يعرف بالرواية عنه، وليس له عنه إلا هذا الحديث، فكيف يكون لأبي الزناد عبد الله بن ذكوان حديث في الصلاة، محل عناية الرواة، ثم لا يعرف ذلك أصحابه المكثرون عنه، والمهتمون بجمع حديثه، وينفرد عنهم رجل لا يعرف بالرواية عنه، ولو كان الحديث في الآداب لقيل ربما قاله أبو الزناد مرة، ثم لم يحدث به، أما أن يكون الحديث في الصلاة، محل عناية العلماء، وفي مسألة ليس فيها كثير أحاديث لو علم بها أحد من الأئمة لسافر يقطع الأرض ليسمع هذا الحديث، فلقد كانوا يضربون أكباد الإبل في طلب ما هو أقل أهمية من هذا الحديث، وكل أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - مهمة، ثم لا يحدث به أبو الزناد أصحابه، ولا يعرفون هذا من حديثه، حتى ابنه عبد الرحمن ابن أبي الزناد، ومن أهل بيته لا يعرف هذا عنه، ويرويه رجل يحب العزلة والبادية، ولا يعرف بطلب الحديث، وليس له عن أبي الزناد إلا هذا الحديث اليتيم، فلا يمكن قبول مثل ذلك، ولا تصور وقوعه.
هذا من جهة السنة المرفوعة، وقل مثل ذلك من جهة الآثار، كيف لم يَعْتَن الصحابة بحكم المسألة، ولا يوجد أثر واحد قولي، يهدينا إلى سنة نبينا في الهُوِيِّ، وكل الموجود حكاية فعل عن عمر رضي الله عنه، وقد اختلف في وصله وإرساله، وإرساله أقوى وأكثر، وعلى افتراض صحته لا ندري أكان عمر فعل هذا لكونه أهون عليه؛ لأن المصلي لابد له في هويه: إما أن يقدم يديه أو يقدم ركبتيه، بخلاف القول فهو أصرح في الدلالة على تعيين الصفة، ونفي الاستحباب عن غيرها.
وأما أثر ابن عمر فمداره على الدراوردي، وقد اختلف عليه فيه في رفعه ووقفه، واختلط عليه من حديث نافع في سجود اليدين مع الوجه، فظنه في تقديم اليدين على الركبتين.
أتظن أن صفة الهوي من أحكام الصلاة، ويقصر الصحابة في نقل هذه السنة مع عنايتهم الشديدة بأحكام الصلاة، فهل الاحتياط أن نجزم بالاستحباب، أو الاحتياط في العبادة ألا نجزم به إلا بدليل صريح، ونقول: الأمر واسع، اعمل