للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه مستحب غير واجب، لأنه لم يقل: إنه من أركانها، ولا من واجباتها، ولأن تمام الشيء أمر زائد على وجود حقيقته التي لا يتحقق إلا بها في مشهور الاصطلاح، وقد يطلق بحسب الوضع على بعض ما لا تتم الحقيقة إلا به (١).

وقال ابن بطال عن قوله: (إقامة الصف من حسن الصلاة): «هذا الحديث يدل على أن إقامة الصفوف سنة مندوب إليها، وليس بفرض؛ لأنه لو كان فرضًا لم يقل عليه السلامُ: فإن إقامة الصفوف من حسن الصلاة؛ لأن حسن الشيء زيادة على تمامه، وذلك زيادة على الوجوب» (٢).

قلت: قوله: (من تمام الصلاة) تمام الشيء يحتمل أنه أراد التمام المنافي للنقص، فتكون التسوية على هذا واجبة، كقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦]، فإتمامهما: تأدية كل ما فيهما من الوقوف، والطواف، وغير ذلك. وقوله: صلى الله عليه وسلم: (وما فاتكم فأتموا) متفق عليه، وسبق تخريجه.

ويحتمل أنه أراد تمامها: أي البلوغ بها رتبة الكمال، كما يقال: تم الشيء إذا كمل، فتكون التسوية مستحبة، إلا أنه لما قال في حديث أبي هريرة (إقامة الصف من حسن الصلاة) ترجح الثاني، وهو أنه قصد بالإتمام الكمال.

وأهل اللغة يرون أن التمام والكمال مترادفان.

وذكر بعض أهل اللغة أن بينهما فرقًا:

فالتمام: الإتيان بما نقص، والكمال: الزيادة على التمام، فإذا قلت: رجل تام الخَلْق لا يفهم السامع العربي إلا أنه لا نقص في أعضائه.

وإذا قلت: رجل كامل، يفهم منه أنه خَصَّه بمعنى زائد على التمام، كالحسن والفضل، فالكمال: تمام وزيادة.

وقد يطلق كل منهما على الآخر تجوزًا، وعليه قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: ٣] (٣).


(١). انظر: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (١/ ٢١٧).
(٢). شرح البخاري لابن بطال (٢/ ٣٤٧).
(٣). انظر: تاج العروس (٣١/ ٣٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>