للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن كتابة الخطا يقصد منها ترغيب البعيد عن المسجد في تحصيل صلاة الجماعة، لا أن المشي مقصود في نفسه، ولا أن المسجد الأبعد مقصود من أجل كثرة الخُطَا.

[م-٤٤٥] إذا كان ذلك واضحًا من خلال البحث السابق، فهنا مسألة تعرض لها بعض المذاهب، في مشروعية مقاربة الخطا من أجل تكثير الخطا.

فإذا كان لا يشرع على الصحيح قصد المكان الأبعد لتكثير الخطا، فهل يشرع مقاربة الخطا بقصد تكثير الخطا؟

فمن نظر إلى أن المسافة هي المسافة، وأنه لن يدخله مشقة زائدة في مقاربة الخطا لم يمنع من مقاربة الخطا، خاصة أن مقاربة الخطا تحول بين المصلي وبين الإسراع في السعي إلى الصلاة، وهو من السنن المؤكدة.

ومن نظر إلى أن الصفة المأمور بها في الذهاب إلى الصلاة جاءت مفصلة بالسنة، فالنصوص تأمر بالمشي عند سماع الإقامة بسكينة ووقار، وتنهى عن السرعة، والأمر بالمشي إلى الصلاة لا يفهم منه إلا المشي المعتاد، بأن يمشي على طبيعته دون أن يتكلف هيئة معينة، ولم يَأْتِ حديث صحيح مرفوع في مقاربة الخطا، وما كان ربك نسيًّا، والأصل عدم المشروعية، والوعد بالثواب على الخُطَا إذا مشى إلى الصلاة لا يفهم منه الأمر بمقاربة الخطا، لأن المشيَ ليس مقصودًا في ذاته حتى يتقصد المصلي صفة فيه لم تَأْتِ بها النصوص.

من فهم هذا من النصوص لم يَرْ مشروعية مقاربة الخطا، وكونه قد ثبت عن زيد بن ثابت مقاربته لخطاه، فهذا فهم من الصحابي لم يثبت عن غيره، وهو اجتهاد يدخله الخطأ والصواب، فلو كان مثل هذا مشروعًا لعرف هذا إما في النصوص المرفوعة، ولم يثبت منها شيء، وإما في ظهوره وانتشاره من عمل الصحابة، خاصة أنه يتكرر في اليوم خمس مرات، ولم يَصحَّ إلا عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، إذا عرفت هذا نأتي إلى ذكر من قال بالاستحباب، ومناقشة أدلته.

استحب الحنابلة مقاربة الخطا في المشي إلى الصلاة؛ لتكثر حسناته، وقال به بعض أهل العلم (١).


(١). طرح التثريب (٢/ ٣٥٨)، المغني (١/ ٣٢٨)، الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري ...
(٢/ ٣٠٦)، فتح الباري لابن رجب (٢/ ٣٥٨)، الكافي لابن قدامة (١/ ٣٣٤)، المغني (١/ ٣٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>