بأن الحديث ظاهره أنه لم يسكت لا للتعوذ ولا للبسملة، فنتمسك بهذا الظاهر حتى يأتي ما يعارضه، والواجب قراءة الفاتحة، والبسملة ليست آية منها على الصحيح كما سيأتي بيانه، ولو كانت آية منها لجهر بها، ولو قيل: إن سكوته للبسملة وحدها مقدار لطيف لا يشعر به المأموم لربما احتمل؛ لأنه لا ينهض المأموم إلا وقد شرع الإمام بالقراءة، بخلاف السكوت للتعوذ والبسملة فلن يكون مقداره لطيفًا، فلابد أن يشعر به المأموم، وإن كان مقداره أقل من السكوت للركعة الأولى، فإذا اجتمع هذا النفي في هذا الحديث، ولم يعارض بنقل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ للركعة الثانية، كان الاحتياط في ترك التعوذ؛ لأن الأصل عدم المشروعية، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ لنقل، ولو في حديث ضعيف، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}[مريم: ٦٤] ولو كان التعوذ محفوظًا لوجدنا النقل من آثار الصحابة وعملهم بما تقوم به الحجة، وتحفظ به الشريعة، فإذا لم يوجد سنة مرفوعة، ولا آثار عن الصحابة رضي الله عنهم، ووجد حديث ينفي مطلق السكوت في الركعة الثانية فلا يمكن الجزم بمشروعية التعوذ في الركعة الثانية، والله أعلم.
الدليل الثالث:
أن الأحاديث التي نقلت لنا صفة التعوذ مع ضعفها قد ذكرت محله بعد الاستفتاح، وقبل القراءة، ولم تنقل لنا غيره، ولو كانت الاستعاذة تتكرر لنقلت لنا ذلك، والأصل عدم التكرار، من ذلك:
(ح-١٣٣٢) ما رواه أبو داود، قال: حدثنا عبد السلام بن مطهر، حدثنا جعفر، عن علي بن علي الرفاعي، عن أبي المتوكل الناجي،
عن أبي سعيد الخدري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبر، ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، ثم يقول: لا إله إلا الله ثلاثًا، ثم يقول: الله أكبر كبيرًا ثلاثًا، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه، ونفخه، ونفثه، ثم يقرأ.
[أخطأ فيه جعفر بن سليمان مرتين: في وصله، وفي جعله من حديث