ثم قال:«وقد شرط بعض المتأخرين التواتر في هذا الركن، ولم يكتفِ فيه بصحة السند، وزعم أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر ... وهذا مما لا يخفى ما فيه؛ فإن التواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين الأخيرين من الرسم وغيره؛ إذ ما ثبت من أحرف الخلاف متواترًا عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب قبوله، وقطع بكونه قرآنًا، سواء وافق الرسم أم خالفه، وإذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن هؤلاء الأئمة السبعة وغيرهم.
وقد كنت قبل أجنح إلى هذا القول، ثم ظهر فساده، وموافقة أئمة السلف والخلف» (١).
الدليل الثاني:
أن البسملة لو كانت قرآنًا لكفر النافي لها، فلما لم يكفر من أنكر قرآنيتها دل على أنها ليست من القرآن.
* ويناقش:
بأن المانع من الكفر ليس لكونها ليست قرآنًا وإنما المانع قيام الاختلاف على قرآنيتها، ولا يصح اعتبار الاختلاف بذاته دليلًا على أنها ليست قرآنًا؛ لأن الاختلاف ليس من أدلة الشرع، لا المتفق عليها، ولا المختلف فيها، فيبقى النظر فيما تقتضيه الأدلة، فلا يكون عدم الحكم بكفر المنكر لقرآنيتها دليلًا على أنها ليست قرآنًا، ولأن هذا الدليل يمكن أن يقلب عليكم، فيقال: لو لم تكن قرآنًا لما أجمع الصحابة على كتابتها بين دفتي المصحف مع حرصهم على تجريد المصحف عما سواه، كما سيأتي بيانه في أدلة القول الثاني إن شاء الله تعالى.
* دليل من قال: البسملة آية مستقلة بنفسها للفصل بين السور:
أما الدليل على أنها من القرآن:
الدليل الأول:
إجماع الصحابة على كتابتها في المصحف في عهد عثمان رضي الله عنه مع حرصهم على تجريد المصحف عما سواه حتى لم يكتبوا (آمين)، ولم يكتبوا الاستعاذة مع الأمر بها عند قراءة القرآن حتى كرهوا التشكيل والنقط كي لا يختلط بالقرآن غيره،