ومحمود بن الربيع من صغار الصحابة، وعبارة الترمذي توحي بانقطاع حديث ابن إسحاق. وأعله البخاري بعدم السماع. فقد قَدَّم البخاري رواية الزهري؛ وعلل ذلك بأن الزهري قال: حدثني محمود، وأما مكحول وحرام بن حكيم ورجاء بن حيوة فلم يذكروا أنهم سمعوا من محمود. انظر القراءة خلف الإمام للبخاري (٩٩). فظاهر عبارة البخاري إعلال ما رواه غير الزهري بعدم السماع. قال المعلمي اليماني: وهذا من البخاري بناء على رأيه أنه يشترط للاتصال العلم باللقاء، وقد رد مسلم في مقدمة صحيحه هذا القول، وحكى الإجماع على أنه يكفي إمكان اللقاء إذا لم يكن الراوي مدلسًا. انظر آثار الشيخ عبد الرحمن المعلمي (١٨/ ٦٧). ولم أقف على كلام إمام يصرح بسماع مكحول من محمود بن الربيع، ولا الوقوف على إسناد يصرح فيه مكحول بسماعه من محمود بن الربيع، وهو كثير الإرسال. وإعلاله بعدم السماع أولى من إعلال بعضهم بعنعنة مكحول استنادًا إلى قول ابن حبان: ربما دلس؛ لأن هذه العبارة تشعر بقلة تدليسه، وابن حبان هو أول من وصفه بالتدليس، وأما ابن حجر فذكره في المرتبة الثالثة، أي من المكثرين ولا أعلم مستنده، وقد يحمل تدليسه على كثرة الإرسال، وهو مكثر منه، وهو أحد نوعي التدليس، فقد كان من الأئمة من يطلق التدليس على الإرسال، والله أعلم. فلهذه الأسباب الأربعة: تفرد ابن إسحاق في روايته عن مكحول عن محمود بن الربيع، ومخالفته لزيد بن واقد في إسناده، وكون الزهري رواه عن محمود بن الربيع بلفظ يختلف عن رواية ابن إسحاق، عن مكحول، عن محمود بن الربيع، ولأن رواية مكحول عن محمود مرسلة، لهذه الأسباب الأربعة استبعدت رواية ابن إسحاق؛ لشذوذها، فلا يصح الحديث من رواية مكحول عن محمود بن الربيع. فتبقى المقارنة بين ما رواه زيد بن واقد، عن مكحول وحرام بن حكيم، كلاهما عن نافع بن محمود بن الربيع، عن عبادة. وبين ما رواه الجماعة عن مكحول عن عبادة، ومكحول لم يسمع من عبادة. ولا يستبعد أن يكون الحديث محفوظًا في كلا الطريقين، وأنهما يرجعان إلى طريق واحد، فلا تعارض بينهما: فالإرسال الواقع في رواية الجماعة قد بيَّن زيد بن واقد فيه الواسطة، وأن مكحولًا إنما سمعه من نافع بن محمود بن الربيع، فكان مكحول تارة يرسله، كما هي رواية الجماعة، وهو مشهور بالإرسال، وتارة يذكر واسطته، وإذا عرف أن مكحولًا إنما سمعه من نافع بن محمود بن الربيع، آل إلى ضعف إسناده لجهالة نافع بن محمود بن الربيع. إذا عرفت هذا على سبيل الإجمال، فإليك تخريج هذا الطرق من مصادرها. =