كما رواه ابن أبي شيبة في المصنف (٣٦٢٤)، وابن المنذر في الأوسط (٣/ ١٠١)، والبيهقي في القراءة خلف الإمام (١٩٣)، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن خيثمة بن عبد الرحمن، عن عباية بن ربعي، قال: قال عمر: لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وآيتين فصاعدًا. ولو صح أثر عباية بن رداد لحمل أثر عمر على قراءة المأموم في الصلاة السرية؛ لأنه لا يشرع للمأموم أن يقرأ في الصلاة الجهرية زيادة على فاتحة الكتاب، إلا أن هذا الأثر لا يصح؛ لأن في إسناده عباية بن رداد، وهو عباية بن ربعي على الصحيح، قاله أحمد كما في العلل ومعرفة الرجال (٢/ ١٧٠)، والبخاري في التاريخ الكبير، وعباية متكلم فيه، فهو شيعي غالٍ، ليس حديثه بشيء. هذا ما وقفت عليه من الاختلاف في إسناده ولفظه. وأرى أن المعروف في لفظه، قوله: (وإن قرأت) وقد رواه أصحاب الشيباني بهذا اللفظ، ووافقهم عليه حفص بن غياث من رواية الحميدي، والذي يظهر لي أن لفظ: (وإن جهرت) من قبيل الرواية بالمعنى؛ لأن قوله: (وإن قرأت) لا يقصد به الصلاة السرية؛ لأن المأموم لا يعلم بقراءة إمامه في السرية، ولأن الإمام ليس له خيار في ترك القراءة، فالقراءة في حقه واجبة، بخلاف الجهر، فإن الإمام يجهر في بعض الصلوات دون بعض، فيناسب ذكر الشرط بقوله (وإن قرأت) فهو يقصد بهذا، وإن كنت أسمع قراءتك، فيكون لفظ (وإن جهرت) من الرواية بالمعنى. وهناك لفظ ثالث: عن حفص بن غياث، ذكره البيهقي معلقًا في القراءة خلف الإمام (ص:٩٠)، قال البيهقي: ورواه أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة رحمه الله، عن عبد الله ابن سعيد الأشج، عن حفص بإسناده -يعني: عن أبي إسحاق الشيباني، عن جَوَّاب التيمي، عن يزيد بن شريك، أن عمر رضي الله عنه قال: اقرأ خلف الإمام وإن جهر، واقرأ فاتحة الكتاب وشيئًا قلت: وإن كنت خلفك؟ قال: وإن كنت خلفي. ومع أن هذا الإسناد معلق، ما بين البيهقي وبين محمد بن إسحاق بن خزيمة، إلا أن فيه مخالفة في لفظه، وقد جاء من طريق حفص بن غياث، وحفص قد اختلف عليه كما سبق وبينت لك وقد جمع في هذا اللفظ بين الأمر بالقراءة في الصلاة الجهرية، في قوله: (اقرأ خلف الإمام وإن جهر)، وبين الأمر بالقراءة في الصلاة السرية المفهوم من قوله: (واقرأ فاتحة الكتاب وشيئًا). فالذي يظهر لي أن حَفْصًا قد اضطرب في الحديث سندًا ولفظًا، والراجح من لفظ حفص بن غياث ما وافق رواية الجماعة: (وإن قرأت)، وأن لفظ (وإن جهرت) فهو من الرواية بالمعنى. قال ابن عبد البر في التمهيد (١١/ ٣٥): «وهذا محله عندنا فيما أسر فيه الإمام؛ لأن ابن عيينة روى عن أبي إسحاق الشيباني عن رجل قال عهد إلينا عمر بن الخطاب أن لا نقرأ مع الإمام، وهذا عندنا على الجهر؛ لئلا يتضاد الخبر عنه، وليس في هذا الباب شيء يثبت من جهة الإسناد عن عمر، وعنه فيه اضطراب». والله أعلم. وهذا الطريق لا يثبت عن عمر؛ لإبهام شيخ أبي إسحاق، والله أعلم.