للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= إن النهي للتنزيه؛ فإنها تصح، ولكن تكون مكروهة، ومع هذا؛ فإن بعض العلماء يقول: إن الصلاة في أمكنة النهي صحيحة مع الإثم، فيفرقون بين الزمان وبين المكان، ولكن في النفس من هذا شيء، والأقرب أنها لا تصح إذا كان المكان منهي عنه لذاته، أما إذا كان المكان منهي عنه لحق الغير، كالصلاة في المغصوب؛ فإن الصحيح أن الصلاة تصح فيها. (ع).
قلت: وضَّح شيخ الإسلام ابن تيمية فروع هذه المسألة والجامع بينها (اجتماع الأمر المطلق مع النص المطلق)، فقال في "مجموع الفتاوى" (١٩/ ٢٩٩): "التحقيق أن الفعل المعين كالصلاة في الدار المعينة لا يؤمر بعينها ولا ينهى عن عينها، لأنه تكليف ما لا يطاق، فإنه تكليف للفاعل أن يجمع بين وجود الفعل المعين وعدمه، وإنما يؤمر بها من حيث هي مطلقة وينهى عن الكون في البقعة؛ فيكون مورد الأمر غير مورد النهي، ولكن تلازما في المعين، والعبد هو الذي جمع بين المأمور والمنهي عنه لا أن الشارع أمره بالجمع بينهما، ولم يعين النهي عن الجمع بينها؛ فأمره بصلاة مطلقة ونهاه عن كون مطلق.
وأما المعين؛ فالشارع لا يأمر به ولا ينهى عنه كما في سائر المعينات، وهذا أصل مطرد في جميع ما أمر اللَّه به من المطلقات، بل في كل أمر؛ فإنه إذا أمر بعتق رقبة مطلقة كقوله؛ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} أو بإطعام ستين مسكينًا، أو صيام شهرين متتابعين، أو بصلاة في مكان أو غير ذلك؛ فإن العبد لا يمكنه الامثال إلا بإعتاق رقبة معينة وإطعام طعام معبن لمساكين معينين، وصيام أيام معينة، وصلاة معينة في مكان معين؛ فالمعين في جميع المأمورات المطلقة ليس مأمورًا بعينه، وإنما المأمور به مطلق، والمطلق يحصل بالمعين.
فالمعين فيه شيئان: خصوص عينه، والحقيقة المطلقة.
فالحقيقة المطلقة هي الواجبة.
وأما الحصول المعين؛ فليس واجبًا ولا مأمورًا به، وإنما هو أحد الأعيان التي يحصل بها المطلق، بمنزلة الطريق إلى مكة، ولا قصد للأمر في خصوص التعيين.
قال: فتبين بذلك أن تعيين عين الفعل وعين المكان ليس مأمورًا به، فإذا نهى عن الكون فيه لم يكن هذا المنهي عنه قد أمر به، إذ المأمور به مطلق، وهذا المعين ليس من =