وهذه المسائل التي نستبعدها الآن موجودة في زمن التابعين. قال الشعبي في رجل قال لآخر: إنك لحسود، فقال الثاني: أحْسَدُنا امرأته طالق ثلاثًا، قال الآخر: نعم موافق؛ هذه مسألة خفية لا ندري أيَّهما أحسد. وقد نقل المؤلف عن الإمام أحمد: أنه حكي له قول الشعبي: حنثتما، وخسرتما، وبانت منكما امرأتاكما جميعًا، وحكي له قول الحارث: أُدِيْنُهما، وآمرهما بتقوى اللَّه عز وجل، وأقول: أنتما أعلم بما حلفتما عليه. أُدِيْنُهما: يعني أجعل الأمر موكولًا إلى دينهما، وأقول: هذا شيء بينكما وبين اللَّه، لينظر أحدكما أيُّه أحسد، هو أو أخوه، فإذا علمت أنك أحسد منه، فامرأتك هي التي تطلق، وإذا علمت أنه أحسد منك، وعلم هو ذلك أيضًا؛ فامرأته هي التي تطلق. قال أحمد: هذا شيء لا يُدْرَك؛ لأن الحسد محله القلب، ما ندري أيَّهما أحسد، ولهذا قال: ألقاهما في التهلكة؛ فإنكاره لقول الحارث يدل على موافقته لقول الشعبي، هذا هو الظاهر. (ع). (١) في نسخة (ج): "أنه لو حلف". (٢) كذا في المطبوع و (ج)، وفي (أ) و (ب): "مالا". (٣) في نسخة (أ): "ما لم". (٤) قال الشيخ ابن تيمية رحمه اللَّه في "الاختيارات الفقهية" (ص ٢٦٠): "مسألة: إن كان هذا الطائر غرابًا؛ فامرأتي طالق ثلاثًا، وقال آخر: إن لم يكن غرابًا؛ فامرأتي طالق ثلاثًا، وطار، ولم يعلم ما هو؟ فإنهما يعتزلان نساءهما حتى يتيقنا. وحمله القاضي على الاستحباب. وما كان من هذه الشروط مما يئسا من استبانته؛ ففيه مع العلم بوقوعه" اهـ.