- وأما المؤمنون الصالحون الذين قدر الله لهم ألا يعذبون فهم في نعيم القبر. وقد بلغت النصوص في نعيمه مبلغ التواتر. وكما أن العذاب لا يختص بالقبر فكذلك النعيم، فهو يشمل كل ميت قدر له، قبر أو لم يقبر، ولا يختص بالمؤمنين في هذه الأمة، ولا بالمكلفين ومن النعيم توسيع القبر، وفتح طاقة فيه من الجنة، وامتلاؤه بالريحان وجعله روضة من رياض الجنة وتنويره حتى يغدو كالقمر ليلة البدر، وكل هذا بما يتناسب مع عالم البرزخ.
والأنبياء- وإن كانوا جميعهم أحياء حياة برزخية- أكمل حياة من الشهداء، والشهداء أكمل حياة من بقية الأموات.
- وعلى كل فهي أمور خارقة للعادة فلا يقاس عليها غيرها، ويجب اعتقاد أن الله تعالى يرزق شهيد الحرب من محبوب نعيم الجنات، إلا إنه يتناولون الأكل والشرب للتلذذ، لا للاحتياج.
- وإنما سمي الشهيد شهيدًا لشهادة الله وملائكته له بالجنة والرضا عنه.
- ولأن روحه شهدت دار السلام بخلاف غيره، فإنه لا يشهدها إلا يوم القيامة. وقد قال النسفي: بأن أرواح المسلمين- إن دخلت الجنة الآن، كما دلت عليه الأحاديث- لا تكون كالشهيد في الحياة والرزق بل لا تأكل فيها ولا تتمتع. أهـ.
أقول: وكخاتمة لهذا الوصل، وكجسر للكلام عن الوصل اللاحق نذكر لك ما قاله صاحب الإحياء وهو يوصيك عما ينبغي أن يكون عليه عقلك وقلبك بالنسبة للنصوص التي تتحدث عن اليوم الآخر:
قال الإمام الغزالي في الإحياء:
"إياك أن تنكر شيئا من عجائب يوم القيامة لمخالفته قياس ما في الدنيا، فإنك لو لم تكن شاهت عجائب الدنيا، ثم عرضت عليك قبل المشاهدة لكنت أشد إنكارًا لها، وفي طبع الآدمي إنكار كل ما لم يأنس به!
ولو لم يشاهد الإنسان الحيه وهي تمشي على بطنها كالبرق الخاطف لأنكر تصور المشي على غير رجل والمشي بالرجل أيضًا مستبعد عند من لم يشاهد ذلك. ولولم يشاهد