إذا أردت أن تقيم الحجة على الناس برسالات الرسل، فإن من جملة ما تحتج به خوارق العادات التي تظهر على أيديهم أو معهم، وهي التي تسمى بالمعجزات ومن جملة ذلك: إخبار الرسل عن مستقبل لم يقع فيقع كما أخبروا فإذا ما احتججت على الناس بهذا فر بعض الناس من هذه الحجج: فتحدثوا عن السحر وعن الكهانة وعن التنجيم وكأنهم يعتبرون أن ما يظهر على أيدي الرسل عليهم الصلاة والسلام هو من هذا القبيل.
قال تعالى:{وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ}(١).
وغاب عن هؤلاء أن المعجزة لا دخل لعالم الأسباب بها، أما السحر فهو جزء من عالم الأسباب، عرفه من عرفه، وجهله من جهله، وكذلك قل فيما يحصل من غرائب بسبب رياضة روحية أو تدريبات خاصة، فما هي إلا من عالم الأسباب، أما المعجزة فليست كذلك، ولذلك كان من المهم جدًا أن يكون عند المسلم معرفة المسلم معرفة يفرق بها بين ما هو سحر وخارق للعادة سواء كان معجزة لرسول أو كرامة لولي، كذلك من المهم جدًا أن تكون عند المسلم معرفة يفرق بها بين ما هو كهانة أو تنجيم، وبين ما هو نبوءة نبي، فنبوءات الأنبياء حق خالص فما أخبروا به أنه واقع، فإنه كائن حتمًا، أما الكهانة والتنجيم فإنهما يختلط فيهما الحدس والتوسم والكذب والاحتمال، فالفارق كبير بين وحي هو أثر عن علم الله المحيط، وبين إيحاءات الشياطين وهواجس الكاذبين، وإذا صدق الكاهن يومًا فهي مرة مختلطة بأكاذيب، وهي إما بالحدس أو من باب إلقاءات الشياطين الذين قد يسمعون الكلمة من الملائكة حال استراقهم السمع فيخلطون بها ما يخلطون.
المهم أن يكون عند المسلم معرفة يميز بها بين ما هو سحر وتنجيم وكهانة، وبين ما هو معجزة وكرامة ونبوءة صادقة، والإسلام إذ ذكر المعجزة والكرامة، وأنباء الغيب لم ينف أن يكون هناك سحر وكهانة وتنجيم، إلا أنه حرم السحر والكهانة والتنجيم، وحرم على المسلم أن يكون ساحرًا أو يتبع الساحر أو يصدق الكاهن والمنجم، ومن ههنا فإن التعرف