للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[المقدمة]

جعل الله الإيمان بالغيب أول صفات المتقين {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} (١)، وأول ما يدخل في الإيمان بالغيب أركان الإيمان الستة التي وردت في حديث جبريل عليه السلام: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر" (٢).

ولكن الإيمان بالغيب أوسع من ذلك، فالغيب يطلق ويراد به ما يقابل الشهادة، أي ما يقابل المحسوس فيدخل في ذلك: الملائكة والجن والجنة والنار، وغير ذلك مما هو مغيب عنا وجاءت النصوص تحدثنا عنه، والغيب يطلق أحياناً ويراد به ما غاب عنا من أخبار الماضين وأخبرنا الوحي عنه ودليل ذلك قوله تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا} (٣)، فقد جاءت هذه الآية في سياق قصة نوح عليه السلام، وتطلق كلمة الغيب ويراد بها المستقبل {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (٤)، فههنا يدخل في كلمة الغيب ما غاب عن العباد من الحاضر والمستقبل وأخبر عنه الله عز وجل رسله عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى عن سليمان عليه السلام: {فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} (٥)، وعلى هذا فالإيمان بالغيب يدخل فيه ما أخبرنا عنه الوحي من أمور ماضية ومستقبلية، ويدخل فيه ما أخبرنا عنه الوحي من أمور موجودة الآن وهي مغيبة عنا، والإيمان بالغيب هو الفارق الأول والرئيسي بين أهل الإيمان وأهل الكفر، وهذا هو المقتضى الأول للشهادتين، بل إن الشهادتين هما رمز الاعتراف بالغيب، ولذلك كانت الشهادتان والإيمان بالغيب إجمالاً أول ما يطالب به المسلم، على أنه إذا نظر في هذا المطلوب الأول فإن أول ما يدخل في الطلب هو معرفة الله، وما تتطلبه، لأن كل ما يأتي


(١) البقرة: ٢، ٣.
(٢) البخاري (١/ ١١٤) ٢ - كتاب الإيمان ٣٧ - باب سؤال النبي صلى الله عليه وسلم ... الخ عن أبي هريرة بلفظ مغاير. ومسلم في أول صحيحه، من حديث عمر بلفظه.
(٣) هود: ٤٩.
(٤) الجن: ٢٦، ٢٧.
(٥) سبأ: ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>