إنما ذكرنا هذا الفصل هنا لارتباطه بصلة الشيطان بالإنسان، فابن صياد رجل يهودي الأصل ثم أسلم بعد ذلك في الظاهر، وكان تجري على لسانه كلمات كفرية، وكانت له صلة بعالم الجن، فهو يمثل ظاهرة الوحي الشيطاني للإنسان، وقد اشتبه أمره على بعض الصحابة حتى ظنوه المسيح الدجال وليس هو يقينًا لكنه يشبهه وكان أمره ملتبسًا، ولأن هذا اللبس لا يترتب عليه عمل ولا خطر ولا خطأ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبقى هذا الاحتمال مفتوحًا لحكمة يعلمها هو عليه الصلاة والسلام، ونتوقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد بذلك أن يفتح لأمته باب الاجتهاد في فهم الأخبار المستقبلية التي أخبر عنها أنها كائنة بعده إذا وجد المجتهد ما يدعوه لذلك الاجتهاد، وكان النص أو الأمر يحتمل ذلك.
قال تعالى:{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}(١). وإيحاء الشياطين يظهر بمظاهر شتى منها الوسوسة التي يوسوس القرين - إلا من عصم الله - وهذه يحس بها أهل القلوب وأكثر الخلق عنها غافلون، وإن كان الإنسان لا يخلو عن شعور باطني بدوافع داخلية شريرة، ولذلك تكلم بعض علماء النفس عن أنواع من الدوافع الغريبة التي تلح عليها هذه الدوافع، وقد يأخذ إيحاء الشياطين مظهرًا أكثر انكشافًا لدى صاحبه، وظاهرة ابن صياد تمثل هذا الوضع.
وقد رأينا في البحث السابق أن الجن يمكن أن يتلبسوا جسم الإنسان فيتكلموا على لسانه وهي ظاهرة مرئية مشاهدة، كما رأينا كيف أن بعض الإنس يكون لهم اتصال بعالم الجن، وظاهرة ابن صياد تدخل في هذا الموضوع فهو على اتصال بعالم الشياطين من عالم الجن.
يظهر اضطراب بعض أهل التحقيق في تفسير هذه الظاهرة، وهل ابن صياد هو الدجال الذي يظهر في آخر الزمان أو هو دجال من الدجاجلة؟ والذي نجزم به قطعًا أنه دجال من الدجاجلة أبقى الرسول صلى الله عليه وسلم الباب مفتوحًا للتعليل والتحليل في شأنه، فهو ظاهرة مهمة تظهر في الحياة البشرية بأجزاء من هذه الظاهرة أو بها كلها.
وهاك تحقيقًا للإمام النووي حول ابن صياد ننقله من شرحه على صحيح مسلم: