للوهم تأثيره على الإنسان حتى قالوا: ما قادك شيء مثل الوهم. وكثيرًا ما تعصف الأوهام بالإنسان، فتخرجه من دوائر الطمأنينة والتعقل إلى دوائر القلق والحيرة والخرق، وجاءت شريعة الإسلام وأعطت الإنسان التثبت والتعقل والطمأنينة من خلال الذكر والتوكل والتشريع بحيث غدا حرًا من تعبد الأوهام.
ومن مظاهر تعبد الإنسان للوهم أن يحكم في تصرفاته الجمادات والحيوانات، فترى أهل الجاهلية يستقسمون بالأزلام بأن يضعوا أقلامًا في شيء ما، وبعض هذه الأقلام مكتوب عليها: نعم أو لا، فإذا أراد الإنسان السفر أو غيره أدخل يده هو أو غيره فإذا خرج سهم يقول له: لا، ترك، وإذا خرج سهم يقول: نعم، فعل، فهذا مظهر من تحكيم الجماد بالإنسان، وكان من عاداتهم الطيرة التي نهى عنها الشرع، ومن صورها: إذا أراد إنسان أن يسافر أو يعمل عملا أرسل الطير، فإن رجعت عن يمينه تفاءل فأقدم، وإن رجعت عن شماله تشاءم وأحجم، فهذا مظهر من مظاهر تحكيم الحيوان بالإنسان، وعدا عن كون هذا وهذا استخفافًا في العقل البشري فهو كذلك تحكيم للوهم في إرادة الإنسان، ولذلك تأثيراته على أعصاب الإنسان وجسمه وقلبه، ولا زال بعض الناس يفعلون شبيهًا بهذا فترى بعضهم يبحث عن حظه يضربه نرد أو بإلقاء علبة أو بغير ذلك من صور، كلها تحوي فكرة تعبيد النفس للوهم، والتشاؤم كله تعبيد للنفس للوهم، وما يترتب على ذلك من انعكاسات تظهر في أمراض نفسية شتى، وما أكثر أمراض النفس التي تعد في عصرنا من اكتئاب إلى السويداء إلى الخوف إلى القلق والتشاؤم دخل في هذه الأمراض، وللعدوى دخل كبير في الوهم مع أنها حاصلة إلا أن كثرة الخشية من العدوى تورث التوهم الذي يؤدي إلى خلل مع علاقات الناس، كما أنها قد تؤدي إلى شرور بين الناس خاصة إذا أخذ الناس يرفعون دعاوي على بعضهم بأن فلانًا أعداني، أو أن إبل فلان أعدت إبلي، وهي قضايا ظنية، ومن الناحية الطبية، فالعدوى في كثير من الأحيان إنما توجد إذا وجد عند الجهة الأخرى استعداد للعدوى.
ومن ههنا أقر الشارع العدوى كحقيقة، وعلم الإنسان الاحتياط ولكنه أهدر آثارها.