للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[المقدمة]

لقد رأينا فيما مر اتجاها نقله الفخر الرازي رحمه الله يفيد أنه ما من رسول إلا وأنزل معه كتاب، وذلك قوله تعالى في سورة البقرة: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} (١).

كما أن ظاهر قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (٢)؛ فإذا أخذنا بظاهر هذا القول وعرفنا أنه ما من أمة إلا وقد أرسل لها رسول أو أكثر، فالمفروض أن تكون هناك كتب كثيرة ذات أصل سماوي، وقد خص القرآن بالذكر التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وصحف إبراهم وصحف موسى، فكان القول الذي ذكره الفخر الرازي إن تخصيص هؤلاء بالذكر لا ينفي أن تكون هناك كتب أخرى، هذا مع أن الآيتين اللتين صدرنا بها هذا الوصل يمكن أن يحملا على محامل أخرى، كأن يراد بالكتاب المكتوب بمعنى المفروض، فيكون المعنى: وأنزل معهم المفروضات على أمهم، إلا أن المتتبع للدراسات المقارنة الحديثة يرجح أن تكون هناك كتب أخرى ذات أصول سماوية، ولكن هل هي كتب أنزلت من السماء ككتب، أو أنها الوحي الذي أنزل على رسل جمعه أقوامهم في كتب، فيكون المعنى الثاني هو المراد؟ الأمر يحتمل.

وأيا كان الأمر فليس هناك كتاب ديني في العالم يستطيع أصحابه أن يدّعوا أنه منقول تواترًا من هذا العصر إلى صاحب رسالة إلا القرآن الكريم، ومن ههنا كان القرآن هو الحجة على كل التراث المنسوب إلى الله ورسله عليهم الصلاة والسلام.

ولا شك أن كل كتاب قام عليه دين بعد القرآن الكريم فإنه مكذوب على الله عز وجل لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين بنص القرآن: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (٣)، وإذ جعل الله عز وجل القرآن مفصلًا لكل شيء، ومصدقًا للوحي الحق الذي سبقه، ومهيمنًا عليه، فإنه يغني عن كل كتاب سابق، ويشهد ببطلان كل ما خالفه من أخبار، وينسخ


(١) البقرة: ٢١٣.
(٢) الحديد: ٢٥.
(٣) الأحزاب: ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>