للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد جاء في "الفتح": قال القرطبي وغيره: ضرب النبي صلى الله عليه وسلم، لما جاء به من الدين مثلاً بالغيث العام الذي يأتي الناس في حال حاجتهم إليه، وكذا حال الناس قبل مبعثه، فكما أن الغيث يحيي البلد الميت، فكذا علوم الدين تحيي القلب الميت، ثم شبه السامعين له بالأرض المختلفة التي ينزلها بها الغيث، فمنهم العالم العامل المعلم، فهو بمنزلة الأرض الطيبة شربت فانتفعت في نفسها وأنبتت فنفعت غيرها، ومنهم الجامع للعلم المستغرق لزمانه، غير أنه لم يعلم بنوافله، أو لم يتفقه فيها جمع لكنه أداء لغيره، فهو بمنزلة الأرض التي يستقر فيها الماء فينتفع الناس به، وهو المشار إليه بقوله "نضر الله امرءاً سمع مقالتي فأداها كما سمعها"، ومنهم من يسمع فلا يحفظه ولا يعمل به، ولا ينقله لغيره، فهو بمنزلة الأرض السبخة أو الملساء التي لا تقبل الماء أو تفسده غيرها، وإنما جمع في المثل بين الطائفتين الأوليين المحمودتين لاشتراكهما في الانتفاع بهما، وأفراد الطائفة الثالثة المذمومة لعدم النفع بها، والله أعلم.

أقول: الأرض الجدباء هنا هي الأرض التي لا تنبت لكنها تحفظ الماء على ظهرها، والمراد بالقاع هنا الأرض التي لا تنبت ولا تحفظ الماء على ظهرها.

لقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم متمثلاً بالكتاب والسنة، والكتاب والسنة للقلوب بمثابة المطر للأرض، والمسلمون أقسام: فقسم لا يقرأ ولا يسمع كتاباً وسنة ولو سمع وقرأها ما أفاد ولا استفاد قلوبهم كالصحاري، وناس يقرؤون فيستفيدون فيعلمون ويفيدون فهؤلاء بساتين هذه العالم وناس يحفظون ويعلمون فهؤلاء أحواض يشرب منها الناس، إن الذين يسمعون فلا يحفظون ولا يعلمون هم غرابيل الناس.

وعلى كل فلا شيء يكشف طبيعة القلوب مثل عرض الكتاب والسنة عليها، وهذه مهمة الربانيين: اقرأ على الناس الكتاب والسنة فتظهر قلوبهم، وعلى من لم يكن قلبه بستاناً أن يجاهد نفسه. فالله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (١).


(١) العنكبوت: ٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>