لقد أعطى الإسلام للبحث العقلي وللنظر العلمي مداهما الصحيح، والمسلم إذ يدرس النصوص يبقى مطمئنًا أن النصوص لا تخالف عقلا، ولا علمًا، وهو إذ يدرس العلوم الإسلامية باستيعاب عقل ودقة فهم وتحقيق عليم لا يفوته أن يعرف أدبه مع النصوص فهو بعد إذ يطمئن إلى سلامة الفهم، وإلى مواطأة فهمه لفهوم الراسخين في العلم يعرف أن أدبه مع النص التلقي بالتسليم، والتفاعل القلبي والعملي مع النص بما يقتضيه المقام، فمعرفته أن الله سميع تقتضي منه أن يستشعر أن الله يسمعه، ومعرفته أن الله ليس كمثله شيء تقتضيه أن ينزه الله عز وجل عن كل ما يخطر بباله، ومعرفته أن الله عز وجل ينزل كل يوم في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا تقتضيه أن يكون له في ذلك الوقت تهجد ودعاء واستغفار، ومعرفته بالرسل تقتضي اقتداء، ومعرفته بالملائكة تقتضيه حياء، ومعرفته بالقرآن تقتضيه خشوعا وتأثرا وبكاء واتباعا، ومعرفته بالسنة تقتضي التزاما واهتداء، فهو يتلقى النصوص بعقل مسلم وقلب مخبت، ويعطي كل نص حكمه وحقه، فالمسلم ليس فيلسوفا يسبح في خيالات الأوهام، أو في متاهات الأحلام يتعبد لأصنام العقل، أو يبقى في دائرة الفكر، وإنما هو عقل وقلب وشعور وجسد، وهو في هذا كله يتفاعل مع النصوص تفاعل المؤمن لا تفاعل المتردد، وتفاعل المخبت المطيع الخاشع لا تفاعل العقل الجامد أو القلب القاسي.
'ن أعظم ما تعبد الله عز وجل به عباده، هو معرفته، وإنما يعرف جل جلاله حق المعرفة بما خلق وبما أنزل، والخلق نوعان: مشهود ومغيب، وقد أنزل الكتاب وجعل السنة من الوحي وهي شارحة للكتاب، وبذلك كله يعرف الله عز وجل حق المعرفة.
وموقف المسلم العارف بالله من الكتاب والسنة الإيمان بالنصوص والتسليم لله في الحكم سواء في ذلك أحكامه في العقائد أو في العبادات أو في مناهج الحياة، وقد أخذت تصورًا في هذا القسم عن عقائد الإسلام وها إنك في القسم اللاحق تأخذ تصورًا عن عباداته الرئيسية،