للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حق من يعرف مسالك الدليل، فمن ترجح لديه أن الدليل الأقوى يوصل إلى البدعية فعليه أن يجتنب، ولكنه لا يحق له أن يشتد في الإنكار على من يتابع أئمة الاجتهاد أو أئمة الفتوى في مثل هذه الحالة، فالسير على اجتهاد إمام من أئمة الاجتهاد، أو على فتوى إمام من الأئمة المعتبرين في الفتوى يخرج صاحبه من إثم الابتداع المحرم أو المكروه، إلا إذا كان من أهل العلم الذين يعرفون مسالك الأدلة فالأمر في حق مثل هؤلاء أشد، ولا يصح لواحد منهم أن يشتد على من خالفه ما دام على رأي إمام معتمد.

٤١٨ - * روى البخاري ومسلم عن أبي عبد الله النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الحلال بيِّن، وإن الحرام بينٌ وبينهما أمورٌ مشتبهاتٌ لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعِرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يُوشكُ أن يرتع فيه. ألا وإن لكلِّ ملكٍ حمى، ألا وإن حمى الله محارمُهُ. ألا وإن في الجسد مُضغةً إذا صلحت صلح الجسدُ كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله: ألا وهي القلب".

دل هذا الحديث على أن بعض مسائل الحرام والحلال مشتبهة لا يعلمها الكثير، وإذن فالقليل يعلمها وهم الأئمة المجتهدون المستشرفون لنصوص الكتاب والسنة والقادرون على


٤١٨ - البخاري (١/ ١٢٦) -٢ - كتاب الإيمان -٢٩ - باب فضل من استبرأ لدينه.
مسلم (٣/ ١٢١٩) -٢٢ - كتاب المساقاة -٢٠ - أخذ الحلال وترك الشبهات.
بين: ظاهر، وهو ما نص الله ورسوله أو أجمع المسلمون على تحليله بعينه. وكذلك بالنسبة للحرام.
مشتبهات: مشكلات، لما فيها من عدم الوضوح في الحل والحرمة بسبب تنازع الأدلة فتشبه مرة الحلال ومرة الحرام.
اتقي الشبهات: أي ابتعد عن المشكلات واجتنبها.
فقد استبرأ لدينه وعرضه: أي طلب البراءة، أو حصل عليها، لحفظ دينه من الذم الشرعي، وعرضه يصونه عن كلام الناس بما يعيبه.
وقع في الشبهات: أي تجرأ عليها وفعلها. وهذا ربما يؤدي به إلى تساهل وجرأةٍ يحملانه عادةً على فعل الحرام الظاهر.
الحمى: أي المحمي. وهو المحظور على غير مالكه. وقيل: هو الكلأ الذي يمنعه الحاكم ويتوعد من يرعى فيه.
محارمه: معاصيه التي حرمها الله تعالى، وهي الجناية على النفس والعرض والمال وغيرها. كالقتل والسرقة والزنا ... إلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>