للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد تشدد قوم في موضوع البدعة نتيجة لسوء الفهم، فحكموا على أشياء أجازها أئمة الاجتهاد أو بعضهم على أنها بدع ضالة وضللوا أهلها، وليس لهم ذلك وفهمهمن للحديث (١): "كلُ ما ليس عليه أمرنا فهو رد" فهو مغلوطٌ في هذه الحالة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما وافق الكتاب والسنة، وما أحال عليه الكتاب والسنة من مسالك الاجتهاد كالقياس والإجماع والاستحسان -عند القائلين به- وتحكيم العرف حيث سكت النص- عند القائلين به- وكل ذلك داخل في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لا يحسن كل أحد أن يستنبط ما يوافق أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من وصل إلى رتبة الاجتهاد أو وصل إلى الإمامة في الفتوى، أمثال هؤلاء يستطيعون أن يميزوا بين ما وافق أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من اعتقادات وأعمال وما لا يوافق، وبالتالي ففتوى هؤلاء أو أحدهم بالموافقة يُخرِج من أخذ بفتواه من أن يكون من أهل الابتداع، وهذا الذي قلناه تشهد له أعمال الصاحبة، فكثيراً ما حدث أن الصحابي كان يقول أو يفعل الفعل بناء على فهمه لشريعة الله، دون أن يكون هناك نص خاصٌ في عمله أو في قوله، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه ذلك إن وافق فعلاً أمره، وإلا صحح وسدد، وهذا الذي كان يفعله الصحابة فهماً من النصوص، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرّه ويعجبه هو الذي يجعلنا نقول: إن كثيراً من الاجتهادات التي حدثت بعده عليه الصلاة والسلام قد توافق أمره وقد تخالفه، فمن الذي يحكم عليها؟ لا شك أن أئمة الاجتهاد وأئمة الفتوى المؤهلين للتمييز بين ما يوافق الأمر وما يخالفه، فإذا أجمعوا فذلك الذي لا يسع مسلماً أن يخالفه، وإذا افترقوا فالأمر واسع، وأحياناً يحدث فيما بينهم نقاش ثم يستقر عند الأمة على شيءٍ متفق عليه، فبعد الاتفاق واستقرار أمر الأمة على شيء فههنا كذاك لا ينبغي أن يخالف، ومن خالف كان مبتدعاً.

وقد تتبع بعضهم ما فعله الصحابة ابتداءٌ دون أمر خاص وأقرهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- عليه،


(١) البخاري (٥/ ٣٠١) -٥٣ - كتاب الصلح -٥ - باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود.
مسلم (٣/ ١٣٤٣) -٣٠ كتاب الأقضية -٨ - باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور.
أبو داود (٤/ ٢٠٠) - كتاب السنة -باب في لزوم السنة.
ابن ماجه (١/ ٧) - المقدمة -٢ - باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والتغليظ على من عارضه.

<<  <  ج: ص:  >  >>