فانظر- وفقنا الله وإياك إلى الحق- كيف أقر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم زيادة ذكر لم يؤثر عنه في افتتاح الصلاة، وأقر فاعليها بأعلى درجات الإقرار والرضاء، وذلك لأن الموضعين من مواضع الثناء على الله في الصلاة.
والمقصود أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أقر الصحابيين على إحداث أذكار في الصلاة لم تكن مأثورة عنه، وهذا موضع الاستدلال كما سبق، وأنه كان اجتهاداً واستنباطاً منهما.
٤٢١ - * الحديث الثالث ما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قُباء كلما قرأ افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به ثم افتتح بقل هو الله أحد حتى يفرغ منها، ثم يقرأ سورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمة أصحابهُ فقالوا: إنك تفتتحُ بهذه السورة ثم لا ترى أنها تُجزئُكَ حتى تقرأ بأخرى، فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى. فقال: ما أنا بتاركها، وإن أحببتم أن أؤمكم فعلت، وإن كرهتم تركتكم. وكانوا يرون أنه من أفضلهم، وكرهوا أن يؤمهم غيره، فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبروه فقال:"يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك، وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة"؟ فقال: إني أحبها. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"حبك إياها أدخلك الجنة".
قال الحافظ في الفتح: (قوله: ما يمنعُك وما يحملك. سأله عن أمرين فأجابه بقوله: إني أحبها. وهو جواب عن السؤال الثاني مستلزمٌ للأول بانضمام شيء آخر إليه وهو إقامة السنة المعهودة في الصلاة. فالمانعُ مركب في المحبة والأمر المعهود والحاملُ له على الفعل المحبةُ وحدها، ويوحي إلى أن في فعله زيادةً على فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فدل تبشيره بالجنة على الرضاء بفعله. قال ناصر الدين ابن المنير في هذا الحديث:"إن المقاصد تغيِّرُ أحكام الفعل لأن الرجل لو قال: إن الحامل له على إعادتها أنه لم يحفظ غيرها. مثلاً، لأمكن أن يأمره بحفظ غيرها لكنه اعتل بحبها فظهرت صحة قصده فصوبه".
٤٢١ - البخاري (٢/ ٢٥٥) -١٠ - كتاب الأذان -١٠٦ - باب الجمع بين السورتين في الركعة.