للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي أخرى (١): "إن الله كتب كتاباً، قبل أن يخلق الخلق: إن رحمتي سبقت غضبي. فهو مكتوبٌ عنده فوق العرش".

ولمسلم أيضاً (٢): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل: سبقت رحمتي غضبي".

وله في أخرى (٣): "لما قضى الله الخلق كتب في كتابه على نفسه، فهو موضوع عنده: إن رحمتي تغلب غضبي".

وأخرجه ابن ماجه قال (٤): "إن الله حين خلق الخلق كتب بيده على نفسه: إن رحمتي تغلب غضبي".

قال الحافظ في الفتح:

قوله: (لما قضى الله الخلق) أي خلق الخلق كقوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} أو المراد أوجد جنسه، وقضى يطلق بمعنى حك وأتقن وفرغ وأمضى. قوله (كتب في كتابه) أي أمر القلم أن يكتب في اللوح المحفوظ، وقد تقدم في حديث عبادة بن الصامت قريباً: "فقال للقلم اكتب، فجرى بما هو كائن" ويحتمل أن يكون المراد بالكتاب اللفظ الذي قضاه، وهو كقوله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} ... قوله (غلبت) في رواية شعيب عن أبي الزناد في التوحيد "سبقت" بدل غلبت، والمراد من الغضب لازمه وهو إرادة إيصال العذاب إلى من يقع عليه الغضب، لأن السبق والغلبة باعتبار التعلق، أي تعلق الرحمة غالب سابق على تعلق الغضب. لأن الرحمة مقتضى ذاته المقدسة وأما الغضب فإنه متوقف على سابقة عمل من العبد الحادث، بهذا التقرير يندفع استشكال من أورد وقوع العذاب قبل الرحمة في بعض المواطن، كمن يدخل النار من الموحدين ثم يخرج بالشفاعة وغيرها. وقيل معنى الغلبة الكثرة والشمول، وتقول: غلب على فلان الكرم، أي أكثر


(١) البخاري (١٣/ ٥٢٢) ٩٧ - كتاب التوحيد، ٥٥ - باب قول الله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ}.
(٢) مسلم (٤/ ٢١٠٨) ٤٩ - كتاب التوبة. ٤ - باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه.
(٣) مسلم: الموضع السابق.
(٤) ابن ماجه (٢/ ١٤٣٥) ٣٧ - كتاب الزهد، ٣٥ - باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>