للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال المجيب: هو المستغني بأزليته ووحدانيته عن فعل، لمكافأة عليه براحة تؤمل وترتجى، أو شدة تخاف وتتقى، والبريء عن الأفكار، لتعاليه عن الأضداد المكروهة والأنداد المحبوبة، والعالم بذاته سرمدًا، إذ العلم الطارئ يكون ما لم يكن بمعلوم، وليس الجهل بمتجه عليه في وقت ما أو حال، ثم يقول السائل بعد ذلك: فهل له من الصفات غير ما ذكرت؟ فيقول المجيب: العلو التام في القدر لا المكان، فإنه يجل عن التمكن، وهو الخير المحض التام الذي يشتاقه كل موجود، وهو العلم الخالص عن دنس الهوى والجهل. قال السائل: أفتصفه بالكلام، أم لا؟ قال المجيب: إذا كان عالمًا فهو لا محالة متكلم.

قال السائل: فإن كان متكلمًا لأجل علمه، فما الفرق بينه وبين العلماء الحكماء الذين تكلموا من أجل علومهم؟ قال المجيب: الفرق بينهم هو الزمان فإنهم تعلموا فيه وتكلموا بعد أن لم يكونوا عالمين ولا متكلمين، ونقلوا بالكلام علومهم إلى غيرهم، فكلامهم وإفادتهم في زمان، إذ ليس للأمور الإلهية بالزمان اتصال، فالله سبحانه وتعالى عالم متكلم في الأزل، وهو الذي كلم براهم وغيره من ألأوائل على أنحاء شتى، فمنهم من ألقى إليه كتابًا، ومنهم من فتح له بواسطة بابًا، ومنهم من أوحى إليه فنال بالفكر ما أفاض عليه. قال السائل: فمن أين له هذا العلم؟ قال المجيب: علمه على حاله في الأزل، وإذ لم يجهل قط فذاته عالمة، لم تكتسب علمًا لم يكن له، كما قال في (بيذ) الذي أنزل على براهم: احمدوا وامدحوا من تكلم ببيذ، وكان قبل بيذ.

قال السائل: كيف تعبد من لم يلحقه الإحساس؟ قال المجيب: تسميته تثبت أنيته فالخبر لا يكون إلا عن شيء، والاسم لا يكون إلا لمسمى، وهو إن غاب عن الحواس فلم تدركه، فقد عقلته النفس، وأحاطت بصفاته الفكرة.

وهذه هي عبادته الخالصة، وبالمواظبة عليها تنال السعادة.). ا. هـ. (مقارنات الأديان لأبي زهرة).

أقول:

إن الكلام الذي مر معنا ما يعترض عليه، ولكن فيه الكثير مما يوافق الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>