(وتؤلف قصة الطوفان البابلية من اثني عشر فصلاً على حسب البروج: وراوي القصة يسمى (اسدبار) وقد عبر بحر الموت ليصعد إلى السماء ويلقى زستور الذي ارتفع إليها بعد نجاته من الطوفان، والباقي من ألواح هذه القصة في المتحف البريطاني يحكيها على هذا المثال:
(ابن بيتاً واصنع سفينة تحفظ النبات والحيوان، واخزن البذور واخزن معها بذور الحياة من كل نوع تحمله السفينة، وليكن طولها ستمائة قدم في ستين عرضاً .. وتدخل السفينة وتحكم وإغلاقها، وتضع في وسطها الحبوب المتاع والأزواد والخدم والجند، وتضع فيها كذلك أجناس الوحش لحفظ ذريتها ...
وقال الله ليلاً: إني سأرسل السماء مدراراً، فادخل إلى جوف السفينة، وأغلق عليها بابها. وتغطي وجه الأرض وهلك كل ما عليه من الأحياء، وفار الماء حتى بلغ السماء، ولم ينتظر أخ أخاه ولم يعرف جار جاره. ستة أيام وست ليال، والرياح تعصف والأنواء تطغى، ثم كان اليوم السابع فانقطع المطر وسكنت العاصفة التي ماجت كموج الزلزال. سكنت العاصفة وانحسر البحر وانتهى الطوفان، وحج البحر بعد ذلك عجيجة، واستحال الناس طينا وطفت أجسادهم على وجه الماء.
ثم استوت السفينة على جبل نيزار .. وأرسلت أنا الحمامة فذهبت وعادت ولم تجد من مقر تهبط عليه، فأرسلت عصفور السمانة فعاد وما هبط على مكان، وأرسلت الغراب فراح ينهش الجثث الطافية فلم يرجع، ثم أطلقت الحيوانات في الجهات الأربعة وبنيت على رأس الجبل مذبحا فقربت لدية قربانا وفرقته في أنية سبعة وفرشت حوله الريحان ..).
وقد علم المنقبون أن هذه القصة منسوخة من مصدر قديم أقدم منها، فهذه الألواح لا يقل تاريخها عن ألفين وخمسمائة سنة، والمصدر الذي نقلت منه يرجع إلى أوائل الألف الثالثة قبل الميلاد.
وعلم المنقبون في جميع آثار الأرض التي كشفت في العالم القديم أو العالم الجديد إن قصة الطوفان عامة لا تنفرد بها الآثار البابلية، ولا يقل تاريخها في القدم عن تاريخه) اهـ. العقاد (إبراهيم أبو الأنبياء).