للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مذهب ابن عباس: أن أولي الأمر في الأمة الإسلامية حكما هم الفقهاء.

ولذلك تقول بمناسبة موضوعنا: إنه إذا ولي الأمر العالم الفقيه العادل، فإنه هو الذي يضبط أمر الوعظ والتوجيه وخطب الجمعة، والتصدر للإفتاء، يضبط ذلك: بأن يقوم هو بنفسه في هذه الشؤون أو يعين لها من يقوم بها، فإذا لم يوجد مثل هذا الأمير، فالأصل أن يقوم العلماء المجازون عن أشياخهم بهذا الشأن، ومن ثم وجدت الإجازة عند العلماء وهي بمثابة الأمر لمن يأخذها بالقيام بالوعظ والتوجيه، والخطبة والإفتاء، ومنذ فقدت الخلافة الراشدة تنازع هذا الحق أولياء الأمور والعلماء. فولي الأمر يعتبر أن من حقه التدخل في هذه الشؤون بسيف السلطة، والعلماء يعتبرون أن هذا الحق لهم بسيف الحق.

والذي نراه من وجهة النظر الشرعية أنه حيثما كان تدخل ولي الأمر في هذه الشؤون بالعدل والحق فهو نافذ الأمر، ولمن عينه أن يقوم بهذه الشؤون مبروراً مأجوراً.

ولمن أجيز من أشياخ الحق والعدل والعلم والعمل أن يقوم بهذه الشؤون إذا فتح لهم طريق ذلك، وإجازتهم له تكون من باب الأمر له من أهله.

وبذلك يدخل في الحديث: "لا يقص على الناس إلا أمير أو مأمور" (١)، فهو بعد الإجازة من شيوخه أمير ومأمور معاً.

وأما فيما سوى هذه الشؤون الأربعة فكل مسلم مجاز من الشارع نفسه، بل مأمور أن يعلم ما تعلمه من الحق، وأن يبلغ عن الشارع ولو آية، وأن يدعو إلى الله على بصيرة، وأن يأمر بمعروف وينهى عن المنكر ويدعو إلى الخير، فهذا كله مطلوب من المسلم لا يحتاج فيه إلى إذن ولا استئذان.

وحصر حق القصص بمعانية الأربعة بالأمير والمأمور في كل من المعاني التي ذكرناها نوع من التأديب للمجتمع الإسلامي، فلا يتطاول إنسان لغير مقامه فيسيء الأدب، ويعرف كل إنسان حدوده، وتضبط الأنفس فلا تدفعها الهوى إلى الكلام وما يجره ذلك من رغبة في التصدر والرياء، ويحال بذلك بين الغلط وتسربه إلى الناس.


(١) أبو داود (٢/ ٢٢٣) - كتاب العلم - باب في القصص.
وابن ماجه (٢/ ١٢٣٥) ٣٣ - كتاب الأدب - ٤٠ - باب القصص.

<<  <  ج: ص:  >  >>