وإن هذا النوع من العلم يختص به الفقهاء الذين عكفوا على الدراسات الفقهية، وهو درجة عالية يسع العامة أن يجهلوه ولا يسع الفقهاء أن يهملوه. وبهذا يتبين أن الأصول العامة للمحرمات والفرائض تعتبر كل مقيم في الديار الإسلامية على علم بها، ولا يعذر بالجهل به، إلا في حال الاشتباه ولا يستثنى من ذلك الذميون الذين يقيمون في الديار الإسلامية. فلا يعذرون في الجهل بالحد والقصاص والديات وموجباتها، وغير ذلك مما يطبق عليهم من عقوبات تطبق على المسلمين، وذلك لأنهم يقيمون في الديار الإسلامية فيفترض فيهم مثلاً العلم بما يعلمه عامتهم من أن:
الزنى يوجب الحد، وغير ذلك من العقوبات مع موجباتها، ولأنهم يقيمون مع المسلمين على أساس أن لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم.
وإن الأحكام التفصيلية التي تؤخذ بالاستنباط بالأقيصة وغيرها من طرق الرأي لا يعرفها كما ذكرنا إلا الخاصة من علماء الشرع المتخصصين.
هذا وإن الجهل بأحكام النصوص منه ما يكون عذراً، ومنه ما لا عذر فيه، ولقد ضبط علماء الأصول ذلك في أقسام أربعة:
القسم الأول - جهل لا يعذر فيه صاحبه، ولا شبهة فيه كالردة بعد إيمان، وارتكاب ما نص القرآن نصاُ قاطعاً القرآن نصاً قاطعاً على تحريمه معتقداً حلة، وكذلك ما تواتر وثبت بالإجماع، فإن الجهل بهذا إثم، والإثم لا يبرر الإثم.
وقد ذكر علماء الأصول من ذلك جهل غير للسلم بالوحدانية، وجهله بالرسالة المحمدية إذا بلغ الدعوة الإسلامية على الوجه الصحيح. وأقيمت الأدلة القاطعة بصدقها، فإنهم قالوا إن ذلك جهل لا يعذر صاحبه.
القسم الثاني - جهل يعذر فيه الشخص لأنه موضع اشتباه من حيث الدليل، وذلك يكون في الجهل بالمسائل التي يحتاج فهمها إلى ضرب من التأويل والتفسير، وتكون هي محتملة للتأويل، والحق فيها لا يتبين إلا بعد الفحص والتأمل ....
القسم الثالث - الجهل في مواضع الاجتهاد، والجهل الذي لا تتوافر فيه أسباب العلم