وقد قرَّرنا في التفسير أن الضمير في قوله قبل موته عائد على عيسى أي سينزل إلى الأرض ويؤمن به أهل الكتاب الذين اختلفوا فيه اختلافاً متبايناً؛ فمِن مُدَّعي الإلهيَّة كالنصارى، ومن قائل فيه قولاً عظيماً وهو أنه وُلِدَ رِيبَةً وهم اليهود، فإذا نزل قبل يوم القيامة تحقَّق كل من الفريقين كذب نفسه فيما يدَّعيه من الافتراء ...
وعلى هذا فيكون ذِكر نزول المسيح عيسى ابن مريم إشارة إلى المسيح الدَّجال شيخ الضلال وهو ضد مسيح الهدى ومن عادة العرب أنها تكتفي بِذِكر أحد الضدَّيْن عن ذكر الآخر كما هو مقرر في موضعه.
الثالث: أنه لم يُذكر اسمه في القرآن احتقاراً له حيث يدَّعي الإلهيَّة وهو ليس ينافي حالة جلال الرّب وعظَمَته وكبريائه وتنزيهه عن النقص فكان أمره عند الرَّب أحقر من أن يُذكر وأصغر وأدخر من أن يُحكى عن أمر دعواه ويحذِّر؛ ولكن انتصر الرُّسل بجناب الرَّب عز وجل فكشفوا لأمَمِهم عن أمره وحذَّروهم ما معه من الفتن المُضِلَّة والخوارق المضمحلَّة فاكتُفِيَ بإخبار الأنبياء، وتواتر ذلك عن سيد ولد آدم إمام الأتقياء عن أن يذكر أمره الحقير بالنسبة إلى جلال الله في القرآن العظيم، ووكَّلَ بيان أمره إلى كل نبيٍّ كريم. أ. هـ.
(النهاية).
(٢)
مرَّ معنا حديث المغيرة بن شُعبة والذي فيه عن الدَّجَّال:"وهو أهون على الله من ذلك". وقد علَّق ابن كثير في النهاية على هذا الحديث فذكر رواية مسلم، وذكر أنَّ البخاري رواه أيضاً، ومن كلامه:
عن المغيرة بن شُعبة قال ما سأل أحد النبي صلى الله عليه وسلَّم عن الدَّجَّال أكثر مما سألته، قال وما سؤالك؟ قال: إنهم يقولون: إن معه جبالاً من خبزٍ ولحمٍ ونهراً من ماء؟ قال: