للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأبي الرضاعة منزلة ولد النسب وأبيه؛ فما ثبت للنسب من التحريم ثبت للرضاعة؛ كامرأة الأب، والابن، وأم المرأة، وابنتها من النسب، وإذا حرم الجمع بين أختي النسب حرم بين أختي الرضاعة. (١)

ونوقش بما يأتي: أ- الله سبحانه حرم سبعًا بالنسب وسبعًا بالصهر، ومعلوم أن تحريم الرضاعة لا يسمى صهرًا وإنما يحرم منه ما يحرم من النسب، ولم يقل في الحديث: ما يحرم بالمصاهرة، ولا ذكره الله سبحانه في كتابه كما ذكر تحريم الصهر من النسب، ولا ذكر تحريم الجمع في الرضاع كما ذكره في النسب، وإثباتكم له جاء من طريق القياس، وقد غفلتم عن كون الفارق بين الأصل والفرع أضعاف أضعاف الجامع، فإذ الرضاعة جعلت كالنسب في حكم لم يلزم أن تكون مثله في كل حكم؛ بل ما افترقا فيه من الأحكام أضعاف ما اجتمعا فيه منها، وقد ثبت جواز الجمع بين اللتين بينهما مصاهرة محرمة، كما جمع الحسن بن الحسن بن علي بين بنتي عم في ليلة، وجمع عبد الله بن جعفر بين امرأة علي وابنته (٢)، وإن كان بينهما تحريم يمنع جواز نكاح أحدها للآخر لو كان ذكرًا، فهذا نظير الأختين من الرضاعة سواء؛ لأن سبب تحريم النكاح بينهما في أنفسهما، وهؤلاء نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - هن أمهات المؤمنين في التحريم والحرمة فقط، لا في المحرمية؛ فليس لأحد أن يخلو بهن ولا ينظر إليهن، بل قد أمرهن الله بالاحتجاب عمن حرم عليه نكاحهن من غير أقاربهن ومن بينهن وبينه رضاع؛ فقال تعالى: {وَإذَا سَألتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسألُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابِ} [سورة الأحزاب: ٥٣]، ثم هذا الحكم لا يتعدى إلى أقاربهن ألبتة، فليس بناتهن أخوات المؤمنين يحرمن على رجالهم بل هن حلال للمسلمين باتفاق المسلمين. (٣)

وأجيب: بأن جابر بن زيد وغيره قد كرهوه للقطيعة، ولم يكن فيه تحريم لقول الله عز وجل: {وَأُحِلُّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [سورة النساء: ٢٤]. (٤)


(١) ينظر: الميداني: المصدر السابق، (٤/ ٧٨). ابن القيم: المصدر السابق، (٥/ ٥٥٧).
(٢) ينظر: عبد الرزاق: المصدر السابق، (٦/ ٢٦٤). البخاري: المصدر السابق، (٧/ ٢٩)؛ معلقًا. الزيلعي: المصدر السابق، (٣/ ١٧٦).
(٣) ينظر: ابن القيم: المصدر السابق، (٥/ ٥٥٧ - ٥٦١).
(٤) ينظر: ابن القيم: المصدر السابق، (٥/ ٥٥٩).

<<  <   >  >>