للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الطريقة لقلّبنا المسألة تقليبًا لا وجه له ولا معنى، وإذا ذكر الفقهاء في فتاويهم بعض العوارض في المسائل فربما تُوُهِّم أنها قولٌ جديد في المسألة، وليس الأمر كذلك، وإنما يحوج إليها لأنه يذكرها غالبًا في الفتوى لعوام المسلمين وقد يخفى عليهم مثل ذلك. (١)

وقد نبه إليه تقي الدين ابن تيمية في قوله: مِن فصيح الكلامِ وجيِّدِه الإطلاقُ والتعميمُ عند ظهور قصد التخصيص والتقييد، وعلى هذه الطريقة الخطابُ الواردُ في الكتاب والسنة وكلام العلماء؛ بل وكلِّ كلامٍ فصيح، بل وجميع كلام الأمم؛ فإن التعرُّضَ عند كلِّ مسألةٍ لقيودها وشروطها تَعَجْرُف وتكلُّف، وخروج عن سَنَن البيان، وإضاعةٌ للمقصود، وهو يُعَكِّر على مقصود البيان بالعكس؛ فإنه إذا قيل: تجب الزكاة في الحُليِّ، فقال: إن كان لامرأةٍ مسلمة ليس عليها دين حالٌّ لآدمي يُنْقِصُ زكاةَ المال عن أن يكون نصابًا، وحالَ عليه حولٌ لم يخرج عن ملكها ويدُها ثابتةٌ عليه؛ وجَبَتْ فيه الزكاة = كان ذلك لُكْنَةً وعِيًّا ا. هـ (٢)

وإن من العجب تصريح بعض من ينتمي إلى الفقه في الدين أن الأم لو تركت رضيعها حتى يموت مع قدرتها على إرضاعه ما ضمنت، لكن من المعلوم أن الأقوال الشاذة يكفي ظهور سقوطها عن إسقاطها؛ فكيف إذا أنبأ ظاهر التنزيل عن فسادها؟ ، والكلام إذا تناهى في الفساد كان الاعتراض عليه أعسر. (٣)

- ثمرة الخلاف: ترتب على الخلاف في هذه المسألة أثر في الفروع الآتية:

١ - نزع الرضيع من أمه؛ فمن أوجب الرضاع على الأم؛ لم ير للزوج أو غيره أن ينزع الرضيع من أمه على ما يقتضيه التخريج، ومن لم يوجبه على الأم مطلقًا أو أوجبه بأجرة أو بقيد؛ لم ير مانعًا من نزع الزوجِ الرضيعَ عن أمه إذا كان ثم متبرعة، وعلى ذلك نص بعض فقهاء الشافعية (٤)، وهو مقتضى قول من وافقهم.

٢ - ميقات حد الرجم والقصاص للمرضع، فإن الإجماع وإن حكي في الحامل أنه لا يقتص منها حتى تضع (٥)؛ إلا أنهم اختلفوا في إمهالها حتى تفطمه؛ فمن رأى الرضاع على


(١) نقلته بمعناه من أخي الشيخ تميم السلوم عن معالي الشيخ د. يوسف الغفيص؛ سماعًا منه.
(٢) تقي الدين ابن تيمية: تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل الباطل (٣٣٢ - ٣٣٣).
(٣) ينظر: ابن جرير: المصدر السابق، (٨/ ٧٢١).
(٤) ينظر: الجمل: المصدر السابق، (٤/ ٥١٤).
(٥) ينظر: أبو العباس القرطبي: المصدر السابق، (٥/ ٩٦ - ٩٧). النووي: شرح صحيح مسلم (١١/ ٢١٠).

<<  <   >  >>