للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأم واجبًا مطلقًا؛ فالتخريج يقتضي أن يراعى حق الآدمي في الإرضاع أوَّلًا، ومن رآه واجبًا بقيد - وهم الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، مع اختلاف قيوداتهم -؛ راعى حق الله في الحد عند اندفاع الضرر عن الرضيع بأقرب وسيلة؛ فقال الحنفية: إن كان حدها الرجم رجمت من حين وضعت؛ إلا إذا لم يكن للمولود من يربيه، حتى يستغني (١)، وقال مالك: إن أصابوا للصبي من يرضعه؛ أقيم عليها الحد ولم تؤخر، وإن لم يصيبوا للصبي من يرضعه؛ لم يعجل عليها حتى ترضع ولدها؛ لأنه لم يكف عنها في إقامة الحد وهي حامل إلا لمكان الصبي، وتركه بلا رضاع بعد الولادة قتل له (٢)، وقال الشافعية: لا يقتص منها بعد وضعها حتى تسقي ولدها اللبأ ويستغني عنه بلبن غيرها، ولا ترجم حتى تجد من ترضعه؛ فإن لم تجد؛ أرضعته حتى تفطمه، ثم رجمت (٣)، وقال الحنابلة: إن كان الحد رجمًا، أو وجب القود؛ لم ترجم ولم تُقَد حتى تسقيه اللبأ، ثم ترجم أو تستقاد؛ إن كان له من يرضعه ولو من لبن شاة، أو تكفل أحد برضاعه؛ لأنه لا ضرر على المولود حينئذ، وإلا؛ تركت حتى تفطمه؛ ليزول عنه الضرر (٤)، وهذا يوافق مآل من قال بالوجوب المطلق، وهو مما يضعف قول من أوجبه بقيد، أو لم يوجبه؛ حيث الاضطراب فيما يتأثر عن قولهم من الأحكام.

٣ - التبرع إلى بنوك الحليب؛ فمن أوجب الرضاع على المولود لها مطلقًا؛ فمقتضى قوله أنه لا يجوز لها دفع لبنها إلى بنوك الحليب وهو لا يكفي حاجة مولودها، ومن لم يوجب الرضاع على المولود لها أو أوجبه بقيد أو بأجرة؛ فالتخريج يقتضى جواز دفع لبنها إلى البنوك إذا اختل شرط الوجوب أو لم يتوافر قيده - عند من أوجبه بقيد أو أجره -، ونص بعضهم على صور مستثناة؛ كما لو خشي تلف الرضيع، أو لم يقبل غيرها.


(١) ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (٦/ ٢١ - ٢٢).
(٢) سحنون: المصدر السابق، (١٦/ ٥٠). وقد نسب إلى مالك أبو العباس القرطبي قوله: إذا وضعت رُجمت، ولم يُنتظر بها إلى أن تكفل ولدها ا. هـ، ثم نَسب هذا القيل إلى أبي حنيفة أيضًا والشافعي في أحد قوليه، وأردف بعد ذلك بأن لمالك قولًا آخر هو المشهور من قوله وقول الشافعي وأحمد وإسحاق، وهو كالذي نقل سحنون.
ينظر: أبو العباس القرطبي: المصدر السابق، (٥/ ٩٧).
(٣) النووي: المصدر السابق، (١١/ ٢١٠، ٢١١).
(٤) ينظر: البهوتي: المصدر السابق، (١٣/ ٢٧٤ - ٢٧٥، ١٤/ ٢٣).

<<  <   >  >>