للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جاءت به الشريعة في البلاد أو المؤسسات التي تحكم بالإسلام، ولذلك؛ لا يمكن لواحد من المانعين أن يمنع طفلًا من مائة امرأة - أو أكثر - في قرية؛ أردن إرضاعه القدر المجزئ في ثبوت التحريم (١)، وهذا ما جعل الخلاف يتجه نحو اللفظية في نوعه، والدليل على ذلك أن عامة الأدلة المؤثرة لأصحاب الأقوال في المسألة دائرة حول مصالح يراد تحقيقها، ومنافع يُبتغى فتح أسبابها وإتاحة سبلِها، أو ذرائع يُبتغى سدُّها، ومفاسد وأضرار يراد درؤها ودفعها أمام المصالح المرجوحة؛ ثابتة كانت، أو متوَهَّمة.

وباستقراء بعض النوازل - على مرِّ العصور - التي تكون جديدة من نوعها غير مسبوقة بمثيل، فإنه يُلحظ أنها تواجه بالرفض والشجب من قبل القلة من الفقهاء، وخصوصًا إذا لم يكن للفقيه ملامسة لتلك النازلة أو معاينة، وإذا لم يكن ذلك مستنكرًا على بعض النفوس البشرية التي لا تستوعب غير المألوف حتى يمضي الزمن الذي يمكنها معه أن تدرك مكان النازلة من الشريعة؛ فإنه مستنكر في الشريعة؛ لأن الله تعالى لم يفرق بين إطلاق القول بالتحريم، أو بالتحليل؛ في قوله: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [سورة النحل: ١١٦]، وليس من السائغ أن تتأثر الأحكام الشرعية بالطبائع الشخصية، وخصوصًا إذا اقترن ذلك بمفهوم محدث ما أنزل الله به من سلطان، وهو أن الانحياز إلى عُدوة الحرام وسلوك جادة المنع هو مقتضى الورع وغاية الصدق وأمارة الديانة، والتحقيق أن التحريم ليس بأولى من التحليل، بل الإباحة في ميزان الشريعة هي الأصل؛ لعموم قول الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [سورة الأعراف: ٣٢]؟ ، وقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [سورة البقرة: ٢٩]، وما أخبر الله بذلك إلا لأن الأرض وجميع ما فيها لبني آدم منافع سوى ما ورد في الشرع المنع منه لضرره (٢)، وبنوك الحليب من خلقه.


(١) ينظر: ابن عابدين: المصدر السابق، (٤/ ٤٠٢). القرافي: المصدر السابق، (٤/ ٢٨٢).
(٢) ينظر: ابن جرير: المصدر السابق، (١/ ٤٥٣). ابن سعدي: القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة، ضمن مجموع مؤلفات السعدي (٧/ ٧٨).

<<  <   >  >>