للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي المقابل؛ يفتح الله تعالى على من يشاء مَن عباده مِن التحقيقات العلمية التي يجتمع فيها من الكَلِمِ ما تُختصر به المسافات الطوال؛ مما يكون مردَّ العلماء إليه بعْدُ، وموضعًا لاتفاقهم، وانظر إلى السعدي ت ١٣٧٦ هـ حين قال: المخترعات الحديثة النافعة للناس في أمور دينهم ودنياهم؛ هي مما أمر الله تعالى به ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ومما يحبه الله ورسوله، ومن نِعَم الله على العباد؛ بما فيها من المنافع الضرورية والكمالية. . .، فبعضها يدخل في الواجبات، وبعضها في المستحبات، وشيء منها في المباحات؛ بحسب ما تثمره، وينتج عنها من الأعمال ا. هـ (١) وقال: العادات كلها؛ كالمآكل، والمشارب، والملابس كلها، والأعمال، والصنائع، والمعاملات، والعادات كلها؛ فالأصل فيها الإباحة والإطلاق، فمن حرَّم شيئًا منها لم يحرمه الله تعالى ولا رسوله- صلى الله عليه وسلم -؛ فهو مبتدع، كما حرم المشركون بعض الأنعام التي أحلها الله ورسوله، وكمن يريد بجهله أن يحرم بعض أنواع اللباس، أو الصنائع، أو المخترعات الحادثة بغير دليل شرعي يحرمها، فمن سلك هذا المسلك؛ فهو ضال جاهل، والمحرمات من هذه الأمور قد فصلت في الكتاب والسنة؛ كما قال الله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [سورة الأنعام: ١١٩]، ولم يحرم الله علينا إلا كل ضار خبيث، ومن تتبع المحرمات وجدها تشتمل على الخبث والمضار القلبية، أو البدنية، أو الدينية، أو الدنيوية؛ لا تخرج عن ذلك، ولهذا من أكبر نعمة الله علينا تحريمه ومنعه لنا مما يضرنا، كما أن من نعمه إباحته لنا ما ينفعنا ا. هـ (٢)

وليس ذلك مقصورًا على القضايا النازلة، بل حتى في إحياء مذاهب السلف؛ فإن تقي الدين ابن تيمية حين أفتى بقول طاوس وغيره في أن تعليق الطلاق - مثل: إن خرجت من الدار فأنت طالق - يوجبُ كفارة اليمين دون الطلاق؛ إن أراد الزوج محض الزجر والتخويف، لا إيقاع الطلاق؛ لأن التقدير حينئذ عند العربي: ولله إن خرجت. . . (٣) حورب وعودي من قبل المتعصبين من أتباع بعض المذاهب، حتى أودع السجن، وكانت


(١) ابن سعدي: المصدر السابق، (٧/ ٦٦).
(٢) ابن سعدي: المصدر السابق، (٧/ ٧٩).
(٣) ابن قاسم: مجموع فتاوى ابن تيمية (٣٣/ ٦٨ - ٧٠، ١٤٦ - ١٥٢، وغيره). وينظر: الكتاب الذي صنفه ابن تيمية لهذا الغرض، وهو كتاب: الرد على السبكي في مسألة تعليق الطلاق.

<<  <   >  >>