للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١ - ما روي عن أم سلمة؛ قالت: لا رضاع إلا ما كان في المهد قبل الفطام ا. هـ (١)

ونوقش بما يأتي: أ- من حد ذلك بما كان في المهد، فكلام لا تقوم بصحته حجة؛ لا من قرآن، ولا من سنة، ولا من إجماع، ولا من قياس، ولا من رواية ضعيفة؛ فسقط هذا القول كما قد سقط قول من حد ذلك بما كان في الصغر؛ فإن الصغر يتمادى إلى بلوغ الحلم؛ لأنه قبل ذلك لا تلزمه الحدود، ولا الفرائض، وهذا حد لا يوجبه قرآن ولا سنة. (٢)

أدلة القول الرابع عشر: استدل أصحاب القول الرابع عشر بما يأتي:

١ - ما روي أن رجلًا مص من ثدي امرأته، فدخل اللبن في حلقه، فسأل أبا موسى الأشعري عن ذلك؟ فقال له أبو موسى: حرمت عليك امرأتك، ثم سأل ابن مسعود عن ذلك، قال أبو عطية - ونحن عنده -: فقام ابن مسعود وقمنا معه حتى أتى أبا موسى الأشعري فقال: أرضيعًا ترى هذا؟ إنما الرضاع ما أنبت اللحم والعظم؟ فقال أبو موسى: لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم (٣)، فتبين هاهنا أنه إنما يحرم مدة تغذي الرضيع باللبن. (٤)

٢ - قول الله عز وجل: {فإن أرادا فصالًا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما} [سورة البقرة: ٢٣٣]. (٥)

ونوقش بما يأتي: أ- إن هذا الدليل لا حجة لكم فيه في التحريم؛ إذ ليس للتحريم في هذه الآية ذكر، ولا في تراضيهما بالفصال تحريم؛ لأن الولد يرتضع (٦) بعد ذلك. إنما فيها انقطاع النفقة الواجبة على الأب في الرضاع، وليس بانقطاع حاجة الصبي إلى الرضاع ينقطع التحريم برضاعه - إن رضع -؛ إذ لم يأت بذلك قرآن، ولا سنة. (٧)

٣ - ما روي عن أم سلمة أم المؤمنين؛ قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي، وكان قبل الفطام". (٨)

ونوقش بما يأتي: أ- إن هذا خبر منقطع؛ لأن فاطمة بنت المنذر لم تسمع من أم سلمة أم المؤمنين؛ لأنها كانت أسن من زوجها هشام باثني عشر عامًا، وكان مولد هشام سنة ٦٠ هـ، فمولد فاطمة على هذا سنة ٤٨ هـ، وماتت أم سلمة سنة ٥٩ هـ، وفاطمة صغيرة لم تلقها؛ فكيف أن تحفظ عنها، ولم تسمع من خالة أبيها عائشة أم المؤمنين شيئًا - وهي في حجرها - إنما أبعد سماعها من جدتها أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهم أجمعين -. (٩)

وأجيب: بأن ردكم لحديث أم سلمة تعسف بارد، فلا يلزم انقطاع الحديث من أجل أن فاطمة بنت المنذر لقيت أم سلمة صغيرة، فقد يعقل الصغير جدًّا أشياء ويحفظها، وقد عقل محمود بن الربيع المجة وهو ابن سبع سنين، ويعقل أصغر منه. (١٠)

٤ - ما روي عن علي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا رضاع بعد الفصال". (١١)

٥ - ما روي عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ولا رضاع بعد الفطام"، وذكر كلامًا كثيرًا. (١٢)

ونوقش الدليلان الآنفان بما يأتي: أ- إن هذين الخبرين لا يجوز التشاغل بهما؛ لأن جويبرًا ساقط، والضحاك ضعيف، وحرام بن عثمان هالك بمرة؛ فسقط كل ما تعلقوا به، وبالله تعالى التوفيق. (١٣)

- الترجيح: تبين مما تقدم أن أصحاب الحولين، والقائلين برضاع الكبير؛ طرفان، وسائر الأقوال متقاربة (١٤)، والراجح هو اعتبار الحولين ما لم يكن ثم فطام أو استغناء بالطعام،


(١) ينظر: ابن أبي شيبة: المصدر السابق، (٩/ ٢٩٦)، برقم (١٧٣٣٩)؛ من طريق عبدة، عن هشام بن عروة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن جده، أنه سأل أم سلمة عن الرضاع؛ به موقوفًا.
(٢) ينظر: ابن حزم المصدر السابق، (١٠/ ٢٤ - ٢٥).
(٣) تقدم تخريجه عند الضابط السابع من المبحث الثالث في التمهيد.
(٤) ينظر: ابن حزم: المصر السابق، (١٠/ ٢٣).
(٥) ينظر: ابن حزم: المصر السابق، (١٠/ ٢٦).
(٦) في الأصل: يرتضع الولد.
(٧) ينظر: ابن حزم: المصر السابق، (١٠/ ٢٦).
(٨) تقدم تخريجه عند الضابط السابع من ضوابط المبحث الثالث في التمهيد. ينظر: ابن حزم: المصر السابق، (١٠/ ٢٦).
(٩) ينظر: ابن حزم: المصر السابق، (١٠/ ٢٦).
(١٠) ينظر: ابن القيم: زاد المعاد (٥/ ٥٩٠).
(١١) تقدم تخريجه قريبًا. ينظر: ابن حزم: المصر السابق، (١٠/ ٢٦).
(١٢) تقدم تخريجه قريبًا. ينظر: ابن حزم: المصر السابق، (١٠/ ٢٦).
(١٣) ينظر: ابن حزم: المصر السابق، (١٠/ ٢٦).
(١٤) ينظر: ابن القيم: المصدر السابق، (٥/ ٥٧٩).

<<  <   >  >>