للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واعتبار ما بعد الحولين محلًّا للتحريم أيضًا إذا لم يستغن بالطعام عن الحليب، والترخيص لرضاع الكبير عند الحاجة العرفية، وذلك لما تقدم من النصوص الشرعية، وللاعتبارات الآتية:

أولًا: إن هذا القول هو الذي تتظافر به الأدلة وتجتمع، وهذا ما يجب المصير إليه مع القدرة؛ من دون تكلف مناقشات غير مستقيمة، أو دعاوي لا دليل يثبتها؛ كالنسخ.

ثانيًا: إن شريعة الله تعالى في أحكامه جارية بالنزول عن الشرائط المتقررة عند الحاجة الملحة، أو المصلحة الراجحة، وذلك في أحوال فردية وجزئيات لا ينتظم منها كلي ينقض الأصل؛ فأنت ترى أن الله سبحانه افترض مسح الرأس فيما افترضه من فرائض الوضوء، ولصاحب العمامة أن يمسح عليها دون رأسه رخصةً له، ويصح منه وضوؤه، وترى أن الله تعالى كتب الصلاة في ميقات معلوم، وللمقيم عند الحاجة جمع إحدى الظهرين أو العشائين في وقت الأخرى رخصةً له، وتصح منه الصلاة مع عدم توافر الشرط، وهو دخول الوقت، وترى أن تمام الحول شرطًا لوجوب أداء زكاة الأثمان، وللمزكي تقديم أدائها عن ميقاتها رخصةً لمن احتاجها من المساكين وغيرهم؛ رفقًا بهم وتخفيفًا عليهم، وتصح من مزكيها مع عدم حلول شرط، وهو دوران الحول، وترى البلوغ شرط إجزاء للحج، ومع ذلك صحح الشارع من الصبي الأجر حين حج به والداه.

وهكذا فلتكن رضاعة الكبير عند الحاجة التي يختل مع ثبوت التحريم إزاءها شرطُ الحولين؛ رخصةً للمحتاج.

ثالثًا: إن عدم التعامل مع حديث سهلة بمرونة يضفي على النظر شيئًا من الظاهرية والقصور، بحيث لا يراعى في أثناء ذلك درء ما يظهر من التعارض بين النصوص الصريحة، ولا تقر بمبدأ جريان الأحكام الشرعية على الشمول الذي يجعلها متسعة لأحوال المسلمين وظروفهم؛ وفق الدليل الصحيح.

رابعًا: إن الشريعة لا تفرق بين المتماثلات، أو تجمع بين المتناقضات؛ فبأي حق يفرق بين سالم ومن من وقع موقعه في الحاجة.

خامسًا: غذاء بدن الرضيع الذي يقع به نشوز العظم ونبات اللحم يتحصَّل منه المعنى الذي نصبه الشارع سببًا للتحريم، فإذا فطم الصبي لم يعد الحليب يغنيه ويسد جوعته ولو كان ذلك قبل مضي الحولين، وإذا استغنى الرضيع بالطعام عن الحليب بحيث لا يبقى مع الأخير وصف

<<  <   >  >>