للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: «بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» أَيْ: هَيَجَانِهَا، وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ الْوَقْتِ، وَهَذَا (لِمُصَلِّي جَمَاعَةٍ بِمُصَلًّى) مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ، (يَأْتُونَهُ) كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ (بِمَشَقَّةٍ) فِي طَرِيقِهِمْ إلَيْهِ فَلَا يُسَنُّ فِي وَقْتٍ وَلَا بَلَدٍ بَارِدَيْنِ أَوْ مُعْتَدِلَيْنِ وَلَا لِمَنْ يُصَلِّي بِبَيْتِهِ مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً، وَلَا لِجَمَاعَةٍ بِمُصَلًّى يَأْتُونَهُ بِلَا مَشَقَّةٍ، أَوْ حَضَرُوهُ وَلَا يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ أَوْ يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ بِلَا مَشَقَّةٍ عَلَيْهِ فِي إتْيَانِهِ كَأَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بِقُرْبِ الْمُصَلَّى أَوْ بَعِيدًا وَثَمَّ ظِلٌّ يَأْتِي فِيهِ، وَتَعْبِيرِي بِمُصَلًّى وَبِمَشَقَّةٍ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِمَسْجِدٍ وَبِمَنْ بَعُدَ، وَخَرَجَ بِالظُّهْرِ غَيْرُهَا وَلَوْ جُمُعَةً لِشِدَّةِ خَطَرِ فَوْتِهَا الْمُؤَدِّي إلَيْهِ تَأْخِيرُهَا بِالتَّكَاسُلِ وَلِأَنَّ النَّاسَ مَأْمُورُونَ بِالتَّبْكِيرِ إلَيْهَا فَلَا يَتَأَذَّوْنَ بِالْحَرِّ، وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْرُدُ بِهَا بَيَانٌ لِلْجَوَازِ فِيهَا مَعَ عِظَمِهَا مَعَ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْأَوَّلَ مُنْتَفٍ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(وَمَنْ وَقَعَ مِنْ صَلَاتِهِ فِي وَقْتِهَا رَكْعَةٌ) فَأَكْثَرُ، وَالْبَاقِي بَعْدَهُ (فَالْكُلُّ أَدَاءٌ وَإِلَّا فَقَضَاءٌ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» أَيْ: مُؤَدَّاةً، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً لَا يُدْرِكُ الصَّلَاةَ مُؤَدَّاةً، وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّكْعَةَ تَشْتَمِلُ عَلَى مُعْظَمِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ؛ إذْ مُعْظَمُ الْبَاقِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

زَائِدَةٌ وَمَعْنَى أَبْرِدُوا أَخِّرُوا عَلَى سَبِيلِ التَّضْمِينِ فَتْحُ الْبَارِي شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ إلَخْ) هَذِهِ مُبَيِّنَةٌ لِلْمُرَادِ مِنْ الْأُولَى ع ش، فَفِيهِ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ. (قَوْلُهُ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ ابْتِدَائِيَّةً أَوْ تَبْعِيضِيَّةً وَهُوَ الْأَوْجَهُ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ أَيْ: هَيَجَانِهَا) هُوَ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي كُلٍّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ ع ش، وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا أَنَّ شِدَّةَ الْبَرْدِ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَهَلْ يُسَنُّ الْإِبْرَادُ فِيهِ، الْمُعْتَمَدُ لَا لِأَنَّ الْحَرَّ لَهُ وَقْتٌ تَنْكَسِرُ سَوْرَتُهُ فِيهِ بِخِلَافِ الْبَرْدِ، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا مِنْ أَنَّ الْإِبْرَادَ مِنْ الْحَرِّ رُخْصَةٌ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ صِحَّةُ الْقِيَاسِ عَلَى الرُّخَصِ ح ل.

(قَوْلُهُ لِمُصَلٍّ جَمَاعَةً) أَيْ: لِمُرِيدٍ صَلَاتَهَا، وَهُوَ قَيْدٌ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ فَقَطْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهُ يُسَنُّ الْإِبْرَادُ لِمُنْفَرِدٍ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَالْقُيُودُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمَتْنِ سَبْعَةٌ. (قَوْلُهُ أَوْ بَعْضُهُمْ) شَامِلٌ لِلْوَاحِدِ فَلْيُنْظَرْ. (قَوْلُهُ بِمَشَقَّةٍ) تَسْلُبُ الْخُشُوعَ أَوْ كَمَالَهُ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ صَلَاتُهُمْ مَعَ هَذَا التَّأْخِيرِ أَفْضَلَ مِنْ صَلَاةِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ جَمَاعَةً فِي بَيْتِهِ ح ل. (قَوْلُهُ وَبَارِدَيْنِ أَوْ مُعْتَدِلَيْنِ) وَإِنْ عَرَضَ فِيهِمَا حَرٌّ شَدِيدٌ كَمَا يُفِيدُهُ عُمُومُ كَلَامِهِ هُنَا، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْحَرُّ الشَّدِيدُ فِي زَمَنِهِ عَادَةً ز ي وح ل.

(قَوْلُهُ وَلَا لِمَنْ يُصَلِّي بِبَيْتِهِ مُنْفَرِدًا) هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِمُصَلًّى، وَتَرَكَ مُحْتَرَزَ الَّذِي قَبْلَهُ أَيْ: جَمَاعَةً لِأَنَّ الِانْفِرَادَ إنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَيُسَنُّ الْإِبْرَادُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ فَلَا يُسَنُّ، فَسَكَتَ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا، وَقَوْلُهُ وَلَا لِجَمَاعَةٍ بِمُصَلًّى إلَخْ مُحْتَرِزُ قَوْلِهِ بِمَشَقَّةٍ أَوْ حَضَرُوهُ وَلَا يَأْتِيهِمْ إلَخْ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ يَأْتُونَهُ، وَقَوْلُهُ أَوْ يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ إلَخْ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِمَشَقَّةٍ أَيْضًا فَكَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَهُ مَعَ قَوْلِهِ وَلَا لِجَمَاعَةٍ لِأَنَّهُ أَخُوهُ فِي الْخُرُوجِ بِالْقَيْدِ الْأَخِيرِ تَأَمَّلْ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ وَلَا يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ) أَيْ: وَكَانُوا فِيهِ مُقِيمِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ بِمَشَقَّةٍ، فَيُسَنُّ لِلْحَاضِرِينَ بِالْمُصَلَّى الْإِبْرَادُ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ الْإِمَامُ ح ل، نَعَمْ إمَامُ مَحَلِّ الْجَمَاعَةِ الْمُقِيمُ فِيهِ يُسَنُّ لَهُ تَبَعًا لَهُمْ ز ي.

(قَوْلُهُ وَخَرَجَ بِالظُّهْرِ غَيْرُهَا) أَخَّرَهُ عَنْ قَوْلِهِ فَلَا يُسَنُّ فِي وَقْتِ إلَخْ مَعَ قُيُودِ مُحْتَرَزَاتِهَا مُؤَخَّرَةٌ فِي الْمَتْنِ عَنْ الظُّهْرِ؛ لَعَلَّهُ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ مِنْ قَوْلِهِ فَلَا يُسَنُّ إلَخْ مُحْتَرَزٌ لِقُيُودِ غَيْرِ الظُّهْرِ، فَأَرَادَ تَكْمِيلَ مَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِ الظُّهْرِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا ثُمَّ ذَكَرَ مُحْتَرِزَ الظُّهْرِ، فَكَأَنَّهُ جَعَلَ الظُّهْرَ قِسْمًا تَحْتَهُ أَفْرَادٌ، وَغَيْرَهُ قِسْمًا آخَرَ ع ش. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: أَخَّرَهُ لِتَعَلُّقِ مَا بَعْدَهُ بِهِ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ جُمُعَةً) الْغَايَةُ لِلرَّدِّ كَمَا فِي الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ لِشِدَّةِ خَطَرِ فَوْتِهَا) الْمُرَادُ بِالْخَطَرِ الْخَوْفُ أَيْ: لِأَنَّهَا لَا تَقْضِي بِخِلَافِ غَيْرِهَا. (قَوْلُهُ بَيَانٌ لِلْجَوَازِ) فَأَرْشَدَ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ حَقِّهَا أَنْ لَا تُؤَخَّرَ؛ لِأَنَّهَا مُضَافَةٌ لِلْيَوْمِ وَيُسْتَحَبُّ التَّبْكِيرُ إلَيْهَا ح ل.

(قَوْلُهُ مَعَ عِظَمِهَا إلَخْ) أَيْ: لِأَنَّ عِظَمَهَا رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُ وُجُوبُ تَعْجِيلِهَا وَعَدَمُ جَوَازِ الْإِبْرَادِ بِهَا. (قَوْلُهُ الْأَوَّلَ) أَيْ: شِدَّةِ خَطَرِ فَوْتِهَا أَيْ: مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ التَّكَامُلِ، فَهَذَا هُوَ الْمُنْتَفِي فِي حَقِّهِ وَقَدْ يُقَالُ هُوَ وَإِنْ انْتَفَى فِي حَقِّهِ لَمْ يَنْتَفِ فِي حَقِّ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ كَانُوا يُبْرِدُونَ مَعَهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: بَرَكَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ حِرْصِهِمْ عَلَى اتِّبَاعِهِ تَمْنَعُ عَنْهُمْ ذَلِكَ

. (قَوْلُهُ رَكْعَةً) بِأَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ ع ش. (قَوْلُهُ مِنْ صَلَاتِهِ) وَلَوْ نَفْلًا م ر. (قَوْلُهُ فَالْكُلُّ أَدَاءٌ إلَخْ) وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ كَالْقَمُولِيِّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ حَيْثُ شَرَعَ فِيهَا فِي الْوَقْتِ نَوَى الْأَدَاءَ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَا يَسَعُ رَكْعَةً وَقَالَ الْإِمَامُ: لَا وَجْهَ لِنِيَّةِ الْأَدَاءِ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْوَقْتَ لَا يَسَعُهَا بَلْ لَا يَصِحُّ. وَاسْتَوْجَهَ حَجّ فِي شَرْحِ ع ب حَمْلَ كَلَامِ الْإِمَامِ عَلَى مَا إذَا نَوَى الْأَدَاءَ الشَّرْعِيَّ وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنْوِهِ، وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُنَا الشِّهَابُ م ر شَوْبَرِيٌّ وع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ عَلَى مُعْظَمِ) لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ مُعْظَمِ مَعَ ذِكْرِ أَفْعَالٍ لِأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى جَمِيعِ الْأَفْعَالِ لِأَنَّ الْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ يُشْبِهُ جُلُوسَ التَّشَهُّدِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْأَفْعَالِ مَا يَشْمَلُ نَحْوَ قُعُودِ التَّشَهُّدِ أَوْ فِعْلَ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ كَالنِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَفْعَالِ مَا يَشْمَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>