للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالتَّكْرِيرِ لَهَا فَجُعِلَ مَا بَعْدَ الْوَقْتِ تَابِعًا لَهَا بِخِلَافِ مَا دُونَهَا

(وَمَنْ جَهِلَ الْوَقْتَ) لِغَيْمٍ أَوْ حَبْسٍ بِبَيْتٍ مُظْلِمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِهِ ثِقَةٌ عَنْ عِلْمٍ (اجْتَهَدَ) إنْ قَدَرَ (بِنَحْوِ وِرْدٍ) كَخِيَاطَةٍ وَصَوْتِ دِيكٍ مُجَرَّبٍ سَوَاءٌ الْبَصِيرُ وَالْأَعْمَى، وَلَهُ كَالْبَصِيرِ الْعَاجِزِ تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ لِعَجْزِهِ فِي الْجُمْلَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلِلْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ تَقْلِيدُ الْمُؤَذِّنِ الثِّقَةِ الْعَارِفِ فِي الْغَيْمِ لِأَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ إلَّا فِي الْوَقْتِ، أَمَّا فِي الصَّحْوِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْأَقْوَالَ لِأَنَّهَا؛ فِعْلُ اللِّسَانِ كَالتَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالسَّلَامِ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَةَ الْأُولَى خَلَتْ عَنْهَا.

(قَوْلُهُ كَالتَّكْرِيرِ) قَالَ الشَّيْخُ فِي آيَاتِهِ: إنَّمَا لَمْ يَجْعَلْهُ تَكْرِيرًا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ التَّكْرِيرَ إنَّمَا هُوَ الْإِتْيَانُ بِالشَّيْءِ ثَانِيًا مُرَادٌ بِهِ تَأْكِيدُ الْأَوَّلِ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ مَا بَعْدَ الرَّكْعَةِ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ كَالْأُولَى، كَمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ خَمْسِ الْيَوْمِ لَيْسَتْ تَكْرِيرًا لِمِثْلِهَا فِي الْأَمْسِ اهـ شَوْبَرِيٌّ

. (قَوْلُهُ وَمَنْ جَهِلَ الْوَقْتَ إلَخْ) كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَ هَذَا فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَهُ مُنَاسَبَةٌ هُنَا لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: وَسُنَّ تَعْجِيلُ صَلَاةٍ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَهُ هُنَا. اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يُخْبِرْهُ إلَخْ) مَفْهُومٌ أَنَّهُ إذَا أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ عَنْ عِلْمٍ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ، وَيُنَافِيهِ قَوْلُ م ر اجْتَهَدَ جَوَازًا إنْ قَدَرَ عَلَى الْيَقِينِ إلَخْ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَحَلُّ جَوَازِ الِاجْتِهَادِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ قَبْلَ حُصُولِ الْيَقِينِ بِهِ بِإِخْبَارِ الثِّقَةِ الْمَذْكُورِ أَوْ بِعِلْمِ نَفْسِهِ وَأَمَّا بَعْدَ حُصُولِ الْيَقِينِ بِمَا ذَكَرَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ الْمُخَالِفُ لِمَا ذَكَرَ. وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ م ر: إنْ قَدَرَ وَلَمْ يَقُلْ إنْ حَصَلَ لَهُ الْيَقِينُ فَتَأَمَّلْ. وَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ الْعَمَلُ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ وَلَوْ أَمْكَنَهُ هُوَ الْعِلْمُ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِتَكَرُّرِ الْأَوْقَاتِ فَيَعْسُرُ الْعِلْمُ كُلَّ وَقْتٍ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ إذَا عَلِمَ عَيْنَهَا مَرَّةً اكْتَفَى بِهِ بَقِيَّةَ عُمُرِهِ مَا دَامَ مُقِيمًا بِمَكَانِهِ شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ اجْتَهَدَ) وُجُوبًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْيَقِينِ وَجَوَازًا إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ ز ي وَشَوْبَرِيٌّ وع ش، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الِاجْتِهَادَ وَالْعِلْمَ بِالنَّفْسِ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِمْ: الْمَرَاتِبُ ثَلَاثٌ. إذْ قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ الْمَرَاتِبَ ثِنْتَانِ فَقَطْ تَدَبَّرْ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ كَخِيَاطَةٍ وَصَوْتِ دِيكٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُصَلِّي بِمُجَرَّدِ سَمَاعِ صَوْتِ الدِّيكِ وَنَحْوِهِ. قَالَ ح ل: وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجْعَلُ ذَلِكَ عَلَامَةً يَجْتَهِدُ بِهَا كَأَنْ يَتَأَمَّلَ فِي الْخِيَاطَةِ الَّتِي فَعَلَهَا هَلْ أَسْرَعَ فِيهَا عَنْ عَادَتِهِ أَوْ لَا وَهَلْ أَذَّنَ الدِّيكُ قَبْلَ عَادَتِهِ بِأَنْ كَانَ ثَمَّ عَلَامَةٌ يَعْرِفُ بِهَا وَقْتَ أَذَانِهِ الْمُعْتَادِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَ، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْمَتْنِ اجْتَهَدَ بِنَحْوِ وِرْدٍ، فَجَعَلَ الْوِرْدَ وَنَحْوَهُ آلَةً لِلِاجْتِهَادِ. وَلَمْ يَقُلْ اعْتَمَدَ عَلَى وِرْدٍ وَنَحْوِهِ. اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ ع ش أَيْ: فَالْبَاءُ فِي بِنَحْوِ وِرْدٍ لِلْآلَةِ وَقِيلَ إنَّهَا لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ: اجْتَهَدَ بِسَبَبِ نَحْوِ وِرْدٍ فَتَجْعَلُ هَذِهِ الْعَلَامَاتِ دَلَائِلَ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْعَلَامَاتِ اجْتَهَدَ هَلْ دَخَلَ الْوَقْتُ أَمْ لَا؟ وَهَلْ اسْتَعْجَلَ فِي قِرَاءَتِهِ أَمْ لَا؟ . (فَائِدَةٌ)

قَدْ اُشْتُهِرَ أَنَّ الدِّيكَ يُؤَذِّنُ عِنْدَ أَذَانِ حَمَلَةِ الْعَرْشِ وَأَنَّهُ يَقُولُ فِي صِيَاحِهِ يَا غَافِلِينَ اُذْكُرُوا اللَّهَ بِرْمَاوِيٌّ بِاخْتِصَارٍ. وَرَوَى الْغَزَالِيُّ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ تَحْتَ الْعَرْشِ مَلَكًا فِي صُورَةِ دِيكٍ، فَإِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ ضَرَبَ بِجَنَاحِهِ، وَقَالَ: لِيَقُمْ الْقَائِمُونَ، وَإِذَا مَضَى نِصْفُ اللَّيْلِ قَالَ: لِيَقُمْ الْمُصَلُّونَ وَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ قَالَ: لِيَقُمْ الْغَافِلُونَ وَعَلَيْهِمْ أَوْزَارُهُمْ.

وَرُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الدِّيكُ الْأَفْرَقُ حَبِيبِي وَحَبِيبُ حَبِيبِي جِبْرِيلَ، يَحْرُسُ بَيْتَهُ وَسِتَّةَ عَشَرَ بَيْتًا مِنْ جِيرَانِهِ» أَيْ: يَحْرُسُهُمْ مِنْ الشَّيَاطِينِ وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ لَهُ دِيكٌ أَبْيَضُ، وَقَالَ: الدِّيكُ الْأَبْيَضُ فِي الْبَيْتِ بَرَكَةٌ» . اهـ دَمِيرِيٌّ. (قَوْلُهُ مُجَرَّبٍ) أَيْ: جُرِّبَتْ إصَابَتُهُ لِلْوَقْتِ ح ل بِحَيْثُ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ عَدَمُ تَخَلُّفِهِ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَهُ) أَيْ: الْأَعْمَى. سَوَاءٌ كَانَ قَادِرًا عَلَى الِاجْتِهَادِ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ وَلِلْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ تَقْلِيدُ الْمُؤَذِّنِ) أَيْ: كَمَا أَنَّ لَهُمَا الِاجْتِهَادَ. (قَوْلُهُ الثِّقَةِ) خَرَجَ الْفَاسِقُ وَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ، وَقَوْلُهُ الْعَارِفِ أَيْ: بِالْأَوْقَاتِ لَا عَنْ اجْتِهَادٍ. وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ أَنَّ أَذَانَهُ فِي الْغَيْمِ اسْتَنَدَ فِيهِ لِلِاجْتِهَادِ فَلَا يُقَلِّدُهُ وَكَذَا فِي الصَّحْوِ ح ل وم ر. وَاعْلَمْ أَنَّ مَرَاتِبَ الْوَقْتِ ثَلَاثَةٌ:

الْأُولَى الْعِلْمُ بِنَفْسِهِ، وَفِي مَرْتَبَتِهِ إخْبَارُ الثِّقَةِ عَنْ عِلْمٍ، وَالْمُؤَذِّنُ الْعَارِفُ فِي الصَّحْوِ فَيَتَخَيَّرُ الشَّخْصُ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَفِي مَعْنَاهَا الْمِزْوَلَةُ وَالسَّاعَاتُ وَالْمَنَاكِبُ الصَّحِيحَةُ فَهَذِهِ كُلُّهَا فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى.

وَالْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ الِاجْتِهَادُ، وَالْمُؤَذِّنُ الْعَارِفُ فِي الْغَيْمِ.

وَالْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ ثُمَّ إنَّ كَوْنَهَا ثَلَاثَةً فِي الْجُمْلَةِ أَيْ: فِيمَا إذَا حَصَلَ الْعِلْمُ بِالنَّفْسِ مَثَلًا بِدَلِيلٍ قَوِيٍّ ز ي وم ر اجْتَهَدَ وُجُوبًا إلَخْ تَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ فِي الْغَيْمِ) قَدْ يُقَالُ: هُوَ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ يَجْتَهِدُ فَالتَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>