للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَبْيِيتُهُمْ فِي غَفْلَةٍ) أَيْ: الْإِغَارَةُ عَلَيْهِمْ لَيْلًا (وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ) أَوْ ذَرَارِيُّهُمْ قَالَ تَعَالَى {وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ} [التوبة: ٥] «وَحَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ الطَّائِفِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ «وَنَصَبَ عَلَيْهِمْ الْمَنْجَنِيقَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقِيسَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ، مِمَّا يَعُمُّ الْإِهْلَاكُ بِهِ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي لَا بِحَرَمِ مَكَّةَ مَا لَوْ كَانُوا بِهِ فَلَا يَجُوزُ حِصَارُهُمْ وَلَا قَتْلُهُمْ بِمَا يَعُمُّ.

(وَ) جَازَ (رَمْيُ كُفَّارٍ مُتَتَرِّسِينَ) فِي قِتَالٍ (بِذَرَارِيِّهِمْ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا أَيْ: نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ وَمَجَانِينِهِمْ وَكَذَا بِخَنَاثَاهُمْ وَعَبِيدِهِمْ (أَوْ بِآدَمِيٍّ مُحْتَرَمٍ) كَمُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ (إنْ دَعَتْ إلَيْهِ) فِيهِمَا (ضَرُورَةٌ) بِأَنْ كَانُوا بِحَيْثُ لَوْ تُرِكُوا غَلَبُونَا كَمَا يَجُوزُ نَصْبُ الْمَنْجَنِيقِ عَلَى الْقَلْعَةِ، وَإِنْ كَانَ يُصِيبُهُمْ وَلِئَلَّا يَتَّخِذُوا ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ أَوْ حِيلَةً عَلَى اسْتِبْقَاءِ الْقِلَاعِ لَهُمْ وَفِي ذَلِكَ فَسَادٌ عَظِيمٌ وَلِأَنَّ مَفْسَدَةَ الْإِعْرَاضِ أَكْثَرُ مِنْ مَفْسَدَةِ الْإِقْدَامِ، وَلَا يَبْعُدُ احْتِمَالُ قَتْلِ طَائِفَةٍ لِلدَّفْعِ عَنْ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ وَمُرَاعَاةِ الْكُلِّيَّاتِ وَتَقْصِدُ قَتْلَ الْمُشْرِكِينَ وَتَتَوَقَّى الْمُحْتَرَمِينَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، فَإِنْ لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ فِيهِمَا ضَرُورَةٌ لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَتْلِهِمْ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَقَدْ نُهِينَا عَنْ قَتْلِهِمْ وَرَجَحَ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْأُولَى جَوَازُ رَمْيِهِمْ، وَعَلَيْهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّانِيَةِ بِأَنَّ الْآدَمِيَّ الْمُحْتَرَمَ مَحْقُونُ الدَّمِ لِحُرْمَةِ الدِّينِ وَالْعَهْدِ، فَلَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَالذَّرَارِيُّ حُقِنُوا لِحَقِّ الْغَانِمِينَ فَجَازَ رَمْيُهُمْ بِلَا ضَرُورَةٍ. وَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمُسْلِمِينَ.

(وَحَرُمَ انْصِرَافُ مَنْ لَزِمَهُ جِهَادٌ عَنْ صَفٍّ إنْ قَاوَمْنَاهُمْ وَإِنْ زَادُوا عَلَى مِثْلَيْنَا) كَمِائَةٍ أَقْوِيَاءَ عَنْ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدٍ ضُعَفَاءَ لِآيَةِ {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: ٦٦] مَعَ النَّظَرِ لِلْمَعْنَى، وَالْآيَةُ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْخَبَرِ فَإِنْ حَصَلَ مِنْهُمْ تَجْسِيسٌ أَوْ خِيَانَةٌ أَوْ سَبُّ الْمُسْلِمِينَ جَازَ قَتْلُهُمْ ع ش عَلَى م ر.

(قَوْلُهُ: وَتَبْيِيتُهُمْ) أَيْ: وَلَوْ فِي حَرَمِ مَكَّةَ كَمَا يَقْتَضِيهِ صَنِيعُهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ) وَإِنْ عُلِمَ قَتْلُهُ بِذَلِكَ، لَكِنْ يَجِبُ تَوَقِّيهِ مَا أَمْكَنَ وَيُكْرَهُ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يُضْطَرَّ إلَيْهِ تَحَرُّزًا مِنْ إيذَاءِ الْمُسْلِمِ وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الذِّمِّيُّ، وَلَا ضَمَانَ فِي قَتْلِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ عَيْنَهُ س ل وَهُوَ أَيْ: قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ إلَخْ تَعْمِيمٌ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ أَيْ: قَوْلُهُ: وَجَازَ حِصَارٌ إلَخْ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ م ر فِي شَرْحِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَدْعُوَ إلَى الْحِصَارِ وَالْقَتْلِ بِمَا يَعُمُّ، وَالتَّبْيِيتُ ضَرُورَةٌ أَوْ لَا، كَمَا صَرَّحَ بِهِ م ر أَيْضًا وَهَذَا التَّعْمِيمُ مَعَ قَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ أَوْ ذَرَارِيُّهُمْ لَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ الْآتِي إنْ دَعَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَتَرَّسُوا بِالْمُسْلِمِ، وَلَا بِالذَّرَارِيِّ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ إصَابَتُهُ، وَلَا إصَابَتُهُمْ وَمَا سَيَأْتِي مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا تَتَرَّسُوا بِهِمْ أَوْ بِهِ، فَإِصَابَتُهُ مَظْنُونَةٌ فَاشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ ضَرُورَةٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَنَصَبَ عَلَيْهِمْ الْمَنْجَنِيقَ) أَيْ: وَرَمَاهُمْ بِهِ حَجّ وَبِهِ يَتِمُّ الدَّلِيلُ عَلَى الْمُدَّعِي. (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ حِصَارُهُمْ إلَخْ) مَا لَمْ يَضْطَرَّ لِذَلِكَ س ل، وَإِلَّا جَازَ شَرْحُ م ر.

. (قَوْلُهُ: وَكَذَا بِخَنَاثَاهُمْ) يُفِيدُ أَنَّ الْخَنَاثَى أَيْ: الْبَالِغِينَ لَيْسُوا مِنْ الذَّرَارِيِّ أَيْ: كَالْعَبِيدِ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُهُ: الْآتِي تَرِقُّ ذَرَارِيُّ كُفَّارٍ وَخَنَاثَاهُمْ وَعَبِيدُهُمْ ح ل (قَوْلُهُ: أَوْ بِآدَمِيٍّ مُحْتَرَمٍ) ، وَيَضْمَنُ بِالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ إنْ عَلِمَ وَأَمْكَنَ تَوَقِّيهِ شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ: إنْ دَعَتْ إلَخْ) قَيْدٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْآدَمِيِّ فَقَطْ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ بِالنِّسْبَةِ لِلذَّرَارِيِّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: عَنْ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ) أَيْ جَمَاعَتِهِ وَسُمُّوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَقِيدَتَهُمْ بَيْضَاءُ وَقَوْلُهُ: وَمُرَاعَاةِ الْكُلِّيَّاتِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ شَيْخُنَا عَزِيزِيٌّ. وَمُرَادُهُ بِالْكُلِّيَّاتِ الدِّينُ وَمُرَاعَاتِهِ حِفْظُهُ وَأَطْلَقَ عَلَى الدِّينِ كُلِّيَّاتٍ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَالَهُ ع ش (قَوْلُهُ: وَتَقْصِدُ) أَيْ: وُجُوبًا ع ش (قَوْلُهُ: فِي الْأُولَى) وَهِيَ قَوْلُهُ: بِذَرَارِيِّهِمْ وَالثَّانِيَةُ قَوْلُهُ: أَوْ بِآدَمِيٍّ مُحْتَرَمٍ.

(قَوْلُهُ: جَوَازُ رَمْيِهِمْ) أَيْ: مَعَ الْكَرَاهَةِ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: لِحُرْمَةِ الدِّينِ) أَيْ: فِي الْمُسْلِمِ وَقَوْلُهُ: وَالْعَهْدِ أَيْ: فِي الذِّمِّيِّ.

. (قَوْلُهُ: وَحَرُمَ انْصِرَافُ إلَخْ) أَيْ: بَعْدَ مُلَاقَاتِهِ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ قَتْلُهُ لَوْ ثَبَتَ، فَيَجُوزُ لِأَهْلِ بَلْدَةٍ قَصَدَهُمْ الْكُفَّارُ التَّحْصِينُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْإِثْمَ مَنُوطٌ بِمَنْ فَرَّ بَعْدَ لِقَائِهِمْ، كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَالْمَعْنَى فِي وُجُوبِ الثَّبَاتِ مَعَ الْمُقَاوَمَةِ أَنَّ الْمُسْلِمَ عَلَى إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إمَّا أَنْ يُقْتَلَ فَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَوْ يَسْلَمَ فَيَفُوزَ بِالْأَجْرِ وَالْغَنِيمَةِ وَالْكَافِرُ يُقَاتِلُ عَلَى الْفَوْزِ بِالدُّنْيَا ز ي وَم ر، وَلَوْ ذَهَبَ سِلَاحُهُ وَأَمْكَنَهُ الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الِانْصِرَافُ، وَكَذَا مَنْ مَاتَ فَرَسُهُ وَأَمْكَنَهُ الْقِتَالُ رَاجِلًا وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إذَا غَلَبَ ظَنُّ الْهَلَاكِ بِالثَّبَاتِ مِنْ غَيْرِ نِكَايَةٍ لَهُمْ وَجَبَ الْفِرَارُ س ل (قَوْلُهُ: مَنْ لَزِمَهُ جِهَادٌ) أَيْ: دَائِمًا فَلَا يُرَدُّ مَا لَوْ دَخَلُوا بَلْدَةً لَنَا حَيْثُ يَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ بِهَا وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً ح ل أَيْ: مَعَ جَوَازِ الِانْصِرَافِ إنْ حَصَلَتْ الْكِفَايَةُ بِغَيْرِهِمَا.

(قَوْلُهُ: عَنْ مِائَتَيْنِ) أَيْ: فَيَحْرُمُ انْصِرَافُهُمْ عَنْ مِائَتَيْنِ إلَخْ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا يَأْتِي.

(قَوْلُهُ: وَوَاحِدٍ) مِثْلُ الْوَاحِدِ الِاثْنَانِ وَالثَّلَاثَةُ لَا الْأَكْثَرُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَالَ م ر: إنَّمَا يُرَاعَى الْعَدَدُ عِنْدَ تَقَارُبِ الْأَوْصَافِ. وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَخْتَصَّ الْخِلَافُ بِزِيَادَةِ الْوَاحِدِ وَنَقْصِهِ، وَلَا بِرَاكِبٍ وَمَاشٍ بَلْ الضَّابِطُ، كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ كَالْبُلْقِينِيِّ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْقُوَّةِ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُمْ يُقَاوِمُونَ الزَّائِدَ عَلَى مِثْلَيْهِمْ، وَيَرْجُونَ الظَّفَرَ بِهِمْ أَوْ مِنْ الضَّعْفِ مَا لَا يُقَاوِمُونَهُمْ اهـ بِحُرُوفِهِ.

(قَوْلُهُ: وَالْآيَةُ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِمَا قَبْلَهُ وَأَنَّ الْآيَةَ دَلِيلٌ عَلَى مَا قَبْلَ الْغَايَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَلَوْ زَادُوا عَلَى مِثْلَيْنَا وَدَلِيلُ الْغَايَةِ قَوْلُهُ: مَعَ النَّظَرِ لِلْمَعْنَى وَهُوَ الْمُقَاوَمَةُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ قَوْلِهِ: صَابِرَةٌ (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْأَمْرِ) ، وَإِلَّا لَزِمَ الْخُلْفُ فِي خَبَرِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>