وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ، وَلَا نَرْفَعُهُ. وَالْمَعْنَى فِيهِ عِزَّتُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ غَالِبًا لِإِحْرَازِ أَهْلِهِ لَهُ عَنَّا، فَجَعَلَهُ الشَّارِعُ مُبَاحًا؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَفْسُدُ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ نَقْلُهُ وَقَدْ تَزِيدُ مُؤْنَةُ نَقْلِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ طَعَامٌ يَكْفِيهِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ (أَوْ ذَبْحٍ) لِحَيَوَانٍ مَأْكُولٍ (لِأَكْلٍ) وَلَوْ لِجِلْدِهِ لَا لِأَخْذِ جِلْدِهِ وَجَعْلِهِ سِقَاءً، أَوْ خُفًّا أَوْ غَيْرَهُ، وَيَجِبُ رَدُّ جِلْدِهِ إنْ لَمْ يُؤْكَلْ مَعَهُ، وَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ: وَذَبْحِ مَأْكُولٍ لِلَحْمِهِ وَلْيَكُنْ التَّبَسُّطُ (بِقَدْرِ حَاجَةٍ) فَلَوْ أَخَذَ فَوْقَهَا لَزِمَهُ رَدُّهُ إنْ بَقِيَ، وَرَدُّ بَدَلِهِ إنْ تَلِفَ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي وَخَرَجَ بِمَا يُعْتَادُ أَكْلُهُ غَيْرُهُ، كَمَرْكُوبٍ وَمَلْبُوسٍ وَبِعُمُومِ مَا تَنْدُرُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ، كَدَوَاءٍ وَسُكَّرٍ وَفَانِيدٍ فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهَا مَرِيضٌ مِنْهُمْ أَعْطَاهُ الْإِمَامُ قَدْرَ حَاجَتِهِ بِقِيمَتِهِ أَوْ يَحْسُبُهُ عَلَيْهِ مِنْ سَهْمِهِ، كَمَا لَوْ احْتَاجَ أَحَدُهُمْ إلَى مَا يَتَدَفَّأُ بِهِ مِنْ بَرْدٍ، أَمَّا مَنْ لَحِقَهُمْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ، وَلَوْ قَبْلَ حِيَازَةِ الْغَنِيمَةِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي التَّبَسُّطِ، كَمَا لَا حَقَّ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ؛ وَلِأَنَّهُ مَعَهُمْ كَغَيْرِ الضَّيْفِ مَعَ الضَّيْفِ وَهَذَا مُقْتَضَى مَا فِي الرَّافِعِيِّ. وَوَقَعَ فِي الْأَصْلِ وَالرَّوْضَةِ اعْتِبَارُ بَعْدِيَّةِ حِيَازَةِ الْغَنِيمَةِ أَيْضًا، وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّهُ يُتَسَامَحُ فِي التَّبَسُّطِ مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي الْغَنِيمَةِ (وَمَنْ عَادَ إلَى الْعُمْرَانِ) الْمَذْكُورِ (لَزِمَهُ رَدُّ مَا بَقِيَ) مِمَّا يُتَبَسَّطُ بِهِ (إلَى الْغَنِيمَةِ) لِزَوَالِ الْحَاجَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْعُمْرَانِ مَا يَجِدُ فِيهِ حَاجَةً مِمَّا ذُكِرَ بِلَا عِزَّةٍ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، وَإِلَّا فَلَا أَثَرَ لَهُ فِي مَنْعِ التَّبَسُّطِ.
(وَلِغَانِمٍ حُرٍّ أَوْ مُكَاتَبٍ غَيْرِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ، وَلَوْ) سَكْرَانَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
شَعِيرًا حَالًا مِنْهُ وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ مَعْمُولًا لَهُ، كَمَا فِي م ر، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ بَدَلًا لِأَنَّ مَجِيءَ الْحَالِ مِنْ النَّكِرَةِ قَلِيلٌ، هَذَا إنْ ثَبَتَ أَنَّ شَعِيرًا بِالْجَرِّ، وَيُقْرَأُ أَوْ نَحْوُهُ بِأَوْ لَا بِالْوَاوِ، فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ بِالنَّصْبِ تَعَيَّنَ مَا قَالَهُ م ر وَضَبَطَهُ الْمَحَلِّيُّ بِسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ الْأَنْسَبُ مَعْنًى؛ لِأَنَّ التَّبَسُّطَ بِتَقْدِيمِ الْمَعْلُوفِ بِالدَّوَابِّ لَا بِهِ وَكَوْنُهُ بِفَتْحِ اللَّامِ بَعِيدٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ: التَّبَسُّطُ بِالْمَعْلُوفِ مِنْ جِهَةِ أَكْلِ الدَّوَابِّ لَهُ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ لِمَا عَرَفْت، وَعَلَيْهِ يَكُونُ شَعِيرًا حِينَئِذٍ حَالًا مَعَ كَوْنِهِ جَامِدًا، وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةٌ عَلَى مَا فِيهِ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: الْعَسَلَ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عَسَلُ النَّحْلِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى أُطْلِقَ انْصَرَفَ إلَيْهِ، وَالْفَانِيدُ الْآتِي هُوَ عَسَلُ السُّكَّرِ، كَمَا قِيلَ فَلَا مُنَافَاةَ، وَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ جَازَ التَّبَسُّطُ بِالْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي؟ وَقَدْ يُقَالُ: الْفَرْقُ عُمُومُ الْحَاجَةِ لِلْأَوَّلِ لِكَثْرَتِهِ عِنْدَهُمْ دُونَ الثَّانِي (قَوْلُهُ: وَلَا نَرْفَعُهُ) أَيْ: لِلْغَنِيمَةِ.
(قَوْلُهُ: وَالْمَعْنَى فِيهِ) أَيْ: وَالْحِكْمَةُ فِي التَّبَسُّطِ. (قَوْلُهُ: غَالِبًا) فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ قَبْلُ: وَإِنْ لَمْ يَعِزَّ فِيهَا مَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مَعَهُ إلَخْ) هَذَا لَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ: وَلَوْ غَنِيًّا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِمْ أَغْنِيَاءَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ طَعَامٌ يَكْفِيهِمْ خِلَافًا لِمَا فِي ح ل نَعَمْ يُنَافِي قَوْلَ الْمَتْنِ بِقَدْرِ حَاجَةٍ إلَّا أَنْ يُرَادَ وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ طَعَامٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَا يَتَبَسَّطُونَ بِهِ تَأَمَّلْ وَقَالَ ح ل: إنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ مَضْرُوبٌ عَلَيْهَا فِي نُسْخَةِ الْمُؤَلِّفِ وَعَلَيْهِ فَلَا مُنَافَاةَ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ لِجِلْدِهِ) أَيْ: وَلَوْ كَانَ ذَبْحُهُ بِقَصْدِ أَكْلِ جِلْدِهِ ع ش. (قَوْلُهُ: لَا لِأَخْذِ جِلْدِهِ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر أَمَّا ذَبْحُهُ لِأَخْذِ جِلْدِهِ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ مَعَهُ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ احْتَاجَهُ لِنَحْوِ خُفٍّ وَمَدَاسٍ. اهـ. وَقَوْلُ م ر فَلَا يَجُوزُ أَيْ: الذَّبْحُ وَأَمَّا أَكْلُ الْمَذْبُوحِ فَجَائِزٌ شَيْخُنَا وَنُقِلَ عَنْ حَجّ قَالَ ع ش: وَتُضْمَنُ قِيمَةُ الْمَذْبُوحِ حَيًّا. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَجَعْلِهِ سِقَاءً) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ فَإِنْ اتَّخَذَ مِنْهُ شِرَاكًا أَوْ سِقَاءً أَوْ نَحْوَهُ فَكَالْمَغْصُوبِ فَيَأْثَمُ بِذَلِكَ، وَيَلْزَمُ رَدُّهُ بِصَنْعَتِهِ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِيهَا بَلْ إنْ نَقَصَ لَزِمَهُ الْأَرْشُ وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ. اهـ. وَقَضِيَّةُ كَوْنِهِ كَالْمَغْصُوبِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: سُومِحَ هُنَا لِاسْتِحْقَاقِهِ التَّبَسُّطَ فِي الْجُمْلَةِ وَمَالَ إلَى هَذَا م ر سم.
(قَوْلُهُ: كَمَرْكُوبٍ) وَلَوْ اُضْطُرَّ شَخْصٌ مِنْهُمْ إلَى سِلَاحٍ يُقَاتِلُ بِهِ أَوْ فَرَسٍ يُقَاتِلُ عَلَيْهِ أَخَذَهُ بِالْأُجْرَةِ، ثُمَّ رَدَّهُ س ل وَقَالَ سم: بِلَا أُجْرَةٍ وَهُوَ الَّذِي فِي شَرْحِ م ر وَإِذَا تَلِفَ ضَمِنَهُ عَلَى الْأَقْرَبِ فَيُحْسَبُ عَلَيْهِ مِنْ سَهْمِهِ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرَهُ بَعْدُ فِي السُّكَّرِ، وَالْفَانِيدِ وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ الْأَقْرَبُ عَدَمُ الضَّمَانِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَحْوِ السُّكَّرِ بِأَنَّ أَخْذَ هَذَا لِمَصْلَحَةِ الْقِتَالِ وَنَحْوِ السُّكَّرِ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ وَجُوِّزَ لَهُ أَخْذُهُ بِالْعِوَضِ فَيَدُهُ عَلَيْهِ يَدُ ضَمَانٍ، وَلَا كَذَلِكَ هَذَا ع ش م ر.
(قَوْلُهُ: أَوْ يَحْسُبُهُ) بَابُهُ نَصَرَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَبْلَ حِيَازَةِ الْغَنِيمَةِ) مُعْتَمَدٌ وَوَقَعَ فِي الْأَصْلِ، وَالرَّوْضَةِ اعْتِبَارُ بَعْدِيَّةِ حِيَازَةِ الْغَنِيمَةِ أَيْضًا أَيْ: فَإِنَّهُ يُفْهِمُ أَنَّ مَنْ لَحِقَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَقَبْلَ الْحِيَازَةِ يَتَبَسَّطُ، وَهُوَ يُخَالِفُ قَضِيَّةَ اسْتِشْهَادِ الرَّافِعِيِّ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْغَنِيمَةِ، وَيَحْتَاجُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ يُوَجَّهُ إلَخْ ز ي، أَيْ: مَا فِي الْأَصْلِ، وَالرَّوْضَةِ (قَوْلُهُ: إلَى الْغَنِيمَةِ) مَحَلُّ الرَّدِّ إلَى الْغَنِيمَةِ مَا لَمْ تُقْسَمْ، فَإِنْ قُسِمَتْ رَدَّ إلَى الْإِمَامِ، ثُمَّ إنْ كَثُرَ قَسَمَهُ، وَإِلَّا جَعَلَهُ فِي سَهْمِ الْمَصَالِحِ س ل وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَلِغَانِمٍ) الْمُرَادُ بِالْغَانِمِ الْجِنْسُ فَيَشْمَلُ كُلَّ الْغَانِمِينَ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَجُوزُ إعْرَاضُ الْجَمِيعِ عَنْ الْغَنِيمَةِ، وَيَصْرِفُهَا الْإِمَامُ مَصْرِفَ الْخُمُسِ كَمَا فِي م ر. (قَوْلُهُ: أَوْ مُكَاتَبِ) أَيْ: إنْ لَمْ تُحِطْ بِهِ الدُّيُونُ فَإِنْ أَحَاطَتْ بِهِ فَلَا يَصِحُّ إعْرَاضُهُ إلَّا إنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ السَّيِّدُ، وَيَجْرِي مِثْلُ هَذَا التَّفْصِيلِ فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مِنْ شَرْحِ م ر فَقَوْلُهُ: فِيمَا سَيَأْتِي وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي التَّقْيِيدُ بِالْحُرِّ أَوْ الْمُكَاتَبُ الرَّقِيقُ إلَخْ يُقَيَّدُ بِغَيْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَمَّا هُوَ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ