للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَصْدِمُهُمْ جِدَارٌ رَوَى الشَّيْخَانِ خَبَرَ «لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إلَى أَضْيَقِهِ فَإِنْ خَلَتْ الطُّرُقُ عَنْ الزَّحْمَةِ فَلَا حَرَجَ» .

(وَ) لَزِمَنَا (عَدَمُ تَوْقِيرِهِمْ وَ) عَدَمُ (تَصْدِيرِهِمْ بِمَجْلِسٍ) بِقَيْدٍ زِدْتُهُ بِقَوْلِي (بِهِ مُسْلِمٌ) إهَانَةً لَهُمْ (وَ) لَزِمَنَا (أَمْرُهُمْ) أَعْنِي: الْبَالِغِينَ الْعُقَلَاءَ مِنْهُمْ (بِغِيَارٍ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ تَغْيِيرُ اللِّبَاسِ بِأَنْ يَخِيطَ فَوْقَ الثِّيَابِ بِمَوْضِعٍ لَا يَعْتَادُ الْخِيَاطَةَ عَلَيْهِ، كَالْكَتِفِ مَا يُخَالِفُ لَوْنُهُ لَوْنَهُ وَيَلْبَسُ، وَالْأَوْلَى بِالْيَهُودِيِّ الْأَصْفَرُ وَالنَّصْرَانِيِّ الْأَزْرَقُ، أَوْ الْأَكْهَبُ، وَيُقَالُ: لَهُ الرَّمَادِيُّ وَبِالْمَجُوسِيِّ الْأَحْمَرُ أَوْ الْأَسْوَدُ وَيَكْتَفِي عَنْ الْخِيَاطَةِ بِالْعِمَامَةِ، كَمَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ الْآنَ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: كَأَصْلِهَا وَبِإِلْقَاءِ مِنْدِيلٍ وَنَحْوِهِ، وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (أَوْ زُنَّارٍ) بِضَمِّ الزَّايِ وَهُوَ خَيْطٌ غَلِيظٌ فِيهِ أَلْوَانٌ يُشَدُّ فِي الْوَسَطِ (فَوْقَ الثِّيَابِ) فَجَمْعُ الْغِيَارِ مَعَ الزُّنَّارِ تَأْكِيدٌ وَمُبَالَغَةٌ فِي الشُّهْرَةِ وَالتَّمْيِيزِ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَتَعْبِيرِي " بِأَوْ " أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْوَاوِ وَالْمَرْأَةُ تَجْعَلُ زُنَّارَهَا تَحْتَ الْإِزَارِ مَعَ ظُهُورِ شَيْءٍ مِنْهُ، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى فِيمَا يَظْهَرُ.

(وَ) لَزِمَنَا أَمْرُهُمْ (بِتَمْيِيزِهِمْ بِنَحْوِ خَاتَمِ حَدِيدٍ) كَخَاتَمِ رَصَاصٍ وَجُلْجُلِ حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ فِي أَعْنَاقِهِمْ أَوْ غَيْرِهَا (إنْ تَجَرَّدُوا) عَنْ ثِيَابِهِمْ (بِمَكَانٍ) كَحَمَّامٍ (بِهِ مُسْلِمٌ) ، وَتَقْيِيدِي بِالْمُسْلِمِ فِي غَيْرِ الْحَمَّامِ مِنْ زِيَادَتِي.

(وَ) لَزِمَنَا (مَنْعُهُمْ إظْهَارَ مُنْكَرٍ بَيْنَنَا) كَإِسْمَاعِهِمْ إيَّانَا قَوْلَهُمْ: " اللَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ "، وَاعْتِقَادَهُمْ فِي عُزَيْرٍ وَالْمَسِيحِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - وَإِظْهَارَ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَنَاقُوسٍ وَعِيدٍ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ شَعَائِرِ الْكُفْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَظْهَرُوهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ كَأَنْ انْفَرَدُوا فِي قَرْيَةٍ وَالنَّاقُوسُ مَا يَضْرِبُ بِهِ النَّصَارَى لِأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ (فَإِنْ خَالَفُوا) بِأَنْ أَظْهَرُوا شَيْئًا

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَلَا يَمْشُونَ إلَّا فُرَادَى مُتَفَرِّقِينَ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: وَلَا يَصْدِمُهُمْ جِدَارٌ) فِي الْمُخْتَارِ صَدَمَهُ ضَرَبَهُ بِجَسَدِهِ وَبَابُهُ ضَرَبَ

(قَوْلُهُ: وَلَزِمَنَا عَدَمُ تَوْقِيرِهِمْ) وَتَحْرُمُ مُوَادَّتُهُمْ وَهِيَ الْمَيْلُ إلَيْهِمْ بِالْقَلْبِ وَإِنْ كَانَ سَبَبُهَا مَا يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ الْإِحْسَانِ أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ عَنْهُ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا طَلَبَ حُصُولَ الْمَيْلِ بِالسَّعْيِ فِي أَسْبَابِ الْمَحَبَّةِ إلَى حُصُولِهَا بِقَلْبِهِ، وَإِلَّا فَالْأُمُورُ الضَّرُورِيَّةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ حَدِّ التَّكْلِيفِ وَبِتَقْدِيرِ حُصُولِهَا يَسْعَى فِي دَفْعِهَا مَا أَمْكَنَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهَا بِحَالٍ لَمْ يُؤَاخَذْ بِهَا ع ش عَلَى م ر.

(قَوْلُهُ: وَعَدَمُ تَصْدِيرِهِمْ) أَيْ: ابْتِدَاءً وَدَوَامًا فَلَوْ كَانَ بِصَدْرِ مَكَان، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَهُ مُسْلِمُونَ بِحَيْثُ صَارَ هُوَ فِي صَدْرِ الْمَجْلِسِ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ: اسْتَفْتَيْت فِي جَوَازِ سُكْنَى نَصْرَانِيٍّ فِي رَبْعٍ فِيهِ مُسْلِمُونَ فَوْقَ مُسْلِمِينَ فَأُفْتِيت بِالْمَنْعِ وَأَلْحَقَهُ بِالتَّصْدِيرِ فِي الْمَجْلِسِ وَقَدْ جَرَى عَلَيْهِ م ر رَشِيدِيٌّ قَوْلُهُ:. (أَعْنِي الْبَالِغِينَ) أَيْ: وَلَوْ إنَاثًا، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَذْفُ الذُّكُورِ هُنَا وَصَرَّحَ بِهِ فِيمَا بَعْدُ.

(قَوْلُهُ: الْبَالِغِينَ الْعُقَلَاءَ) أَيْ: إذَا كَانُوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُونُوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَهُمْ تَرْكُ الْغِيَارِ ز ي وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَأَمْرُهُمْ بِغِيَارٍ أَيْ: عِنْدَ اخْتِلَاطِهِمْ بِنَا وَإِنْ دَخَلُوا بِالتِّجَارَةِ أَوْ رِسَالَةٍ وَإِنْ قَصُرَتْ مُدَّةُ اخْتِلَاطِهِمْ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ وَتَحْرُمُ مُوَادَّتُهُمْ وَهُوَ الْمَيْلُ الْقَلْبِيُّ لَا مِنْ حَيْثُ وَصْفُ الْكُفْرِ، وَإِلَّا كَانَتْ كُفْرًا وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَكَانَتْ لِأَصْلٍ أَوْ فَرْعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَتُكْرَهُ مُخَالَطَتُهُ ظَاهِرًا وَلَوْ بِمُهَادَاةٍ فِيمَا يَظْهَرُ مَا لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ، وَيَلْحَقُ بِهِ مَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَحْوُ رَحِمٍ أَوْ جِوَارٍ.

(قَوْلُهُ: مِنْهُمْ) أَيْ: مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمِثْلُهُمْ الْمُعَاهِدُونَ، وَالْمُؤْمِنُونَ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى بِالْيَهُودِيِّ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي كُلٍّ بَعْدَ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَا يَرِدُ كَوْنُ الْأَصْفَرِ كَانَ زِيَّ الْأَنْصَارِ، كَمَا حُكِيَ، وَالْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَأَنَّهُمْ إنَّمَا آثَرُوهُمْ بِهِ لِغَلَبَةِ الصُّفْرَةِ فِي أَلْوَانِهِمْ النَّاشِئَةِ عَنْ زِيَادَةِ فَسَادِ قُلُوبِهِمْ وَلَوْ أَرَادُوا التَّمْيِيزَ بِغَيْرِ الْمُعْتَادِ مُنِعُوا خَشْيَةَ الِالْتِبَاسِ وَتُؤْمَرُ ذِمِّيَّةٌ خَرَجَتْ، بِتَخَالُفِ لَوْنِ خُفَّيْهَا وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى شَرْحُ م ر أَيْ: بِأَنْ يَكُونَا بِلَوْنَيْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِلَوْنٍ. رَشِيدِيٌّ، وَانْظُرْ وَجْهَ أَوْلَوِيَّةِ مَا ذَكَرَ بِكُلٍّ شَوْبَرِيٌّ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَوْلَوِيَّةِ مَا ذَكَرَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: بِالْعِمَامَةِ) ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ لُبْسُ عِمَامَتِهِمْ وَإِنْ جَعَلَ عَلَيْهَا عَلَامَةَ تَمْيِيزٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ كَوَرَقَةٍ بَيْضَاءَ مَثَلًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَلَامَةَ لَا يُهْتَدَى بِهَا لِتَمْيِيزِ الْمُسْلِمِ مِنْ غَيْرِهِ حَيْثُ كَانَتْ الْعِمَامَةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ زِيِّ الْكُفَّارِ خَاصَّةً، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْحُرْمَةِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ لُبْسِ طُرْطُورٍ يَهُودِيٍّ مَثَلًا عَلَى سَبِيلِ السُّخْرِيَةِ فَيُعَزَّرُ فَاعِلُ ذَلِكَ ع ش عَنْ م ر.

(قَوْلُهُ: كَمَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ الْآنَ) فَقَدْ كَانَ فِي عَصْرِ الشَّارِحِ النَّصَارَى لَهُمْ الْعَمَائِمُ الزُّرْقُ، وَالْيَهُودُ لَهُمْ الْعَمَائِمُ الصُّفْرُ وَقَدْ أَدْرَكْنَا ذَلِكَ، وَالْآنَ الْيَهُودُ لَهُمْ الطُّرْطُورُ التَّمْرُ هِنْدِيُّ، وَالْأَحْمَرُ، وَالنَّصَارَى لَهُمْ الْبُرْنِيطَةُ السَّوْدَاءُ ح ل (قَوْلُهُ: فَجَمْعُ الْغِيَارِ) أَيْ: فِي عِبَارَةِ الْأَصْلِ أَوْ فِي فِعْلِ الْكَافِرِ ع ش وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى التَّعْبِيرِ بِأَوْ أَيْ: فَإِذَا عَلِمْت مِنْهَا أَنَّ أَحَدَهُمَا كَافٍ فَجَمْعٌ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: إظْهَارَ مُنْكَرٍ) فَلَوْ انْتَفَى الْإِظْهَارُ فَلَا مَنْعَ وَمَتَى أَظْهَرُوا خَمْرَةً أُرِيقَتْ، وَيُتْلَفُ نَاقُوسٌ أَظْهَرُوهُ وَمَرَّ ضَابِطُ الْإِظْهَارِ فِي الْغَصْبِ شَرْحُ م ر وَهُوَ بِأَنْ نَطَّلِعَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَحْوِ تَجَسُّسٍ قَالَ الْإِمَامُ: وَبِأَنْ يَسْمَعَ الْآلَةَ مَنْ لَيْسَ فِي دَارِهِمْ أَيْ: مَحَلَّتِهِمْ.

(قَوْلُهُ: وَاعْتِقَادَهُمْ) بِالنَّصْبِ فِي عُزَيْرٍ، وَالْمَسِيحِ أَيْ: أَنَّهُمَا ابْنَانِ لِلَّهِ قَالَ تَعَالَى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: ٣٠] ، وَالْمُرَادُ بِالِاعْتِقَادِ الْمُعْتَقَدُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُسْمَعُ (قَوْلُهُ: فِي عُزَيْرٍ) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا صَالِحًا حَكِيمًا اهـ خ ط.

(قَوْلُهُ: وَإِظْهَارَ خَمْرٍ) أَيْ: شُرْبَ خَمْرٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>