فَأَهِّلُوا بِالْحَجِّ» وَالْإِهْلَالُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَلَا يُسَنُّ ذِكْرُ مَا أَحْرَمَ بِهِ فِي غَيْرِ التَّلْبِيَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ إخْفَاءَ الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ وَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ الْمُحْرِمُ يَنْوِي وَيُلَبِّي. (لَا فِي طَوَافٍ) وَلَوْ طَوَافَ قُدُومٍ (وَسَعْيٍ) بَعْدَهُ أَيْ: لَا يُسَنُّ فِيهِمَا تَلْبِيَةٌ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا أَذْكَارًا خَاصَّةً وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْأَصْلُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ لِذِكْرِهِ الْخِلَافَ فِيهِ وَذِكْرُ السَّعْيِ مِنْ زِيَادَتِي
(وَ) سُنَّ (طُهْرٌ) أَيْ: غُسْلٌ، أَوْ تَيَمُّمٌ بِشَرْطِهِ وَلَوْ فِي حَيْضٍ، أَوْ نَحْوِهِ (لِإِحْرَامٍ) لِلِاتِّبَاعِ فِي الْغُسْلِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَقِيسَ بِالْغُسْلِ التَّيَمُّمُ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي (وَلِدُخُولِ مَكَّةَ) وَلَوْ حَلَالًا (وَبِذِي طَوًى) بِفَتْحِ الطَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا وَكَسْرِهَا (لِمَارٍّ بِهَا أَفْضَلُ) مِنْ طُهْرِهِ بِغَيْرِهَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَإِنْ لَمْ يَمُرَّ بِهَا سُنَّ طُهْرُهُ مِنْ مِثْلِ مَسَافَتِهَا وَاسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ مَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ مَكَان قَرِيبٍ كَالتَّنْعِيمِ وَاغْتَسَلَ لِلْإِحْرَامِ فَلَا يُسَنُّ لَهُ الْغُسْلُ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيَظْهَرُ مِثْلُهُ فِي الْحَجِّ وَسُنَّ الطُّهْرُ أَيْضًا لِدُخُولِ الْمَدِينَةِ وَالْحَرَمِ (وَلِوُقُوفٍ بِعَرَفَةَ) عَشِيَّةً (وَبِمُزْدَلِفَةَ غَدَاةَ نَحْرٍ وَلِرَمْيِ) أَيَّامِ (تَشْرِيقٍ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مَوَاطِنُ يَجْتَمِعُ لَهَا النَّاسُ فَيُسَنُّ الطُّهْرُ لَهَا قَطْعًا لِلرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ بِالْغُسْلِ الْمُلْحَقِ بِهِ التَّيَمُّمُ وَلِلْقُرْبَةِ.
وَخَرَجَ بِرَمْيِ التَّشْرِيقِ رَمْيُ يَوْمِ النَّحْرِ فَلَا يُسَنُّ الطُّهْرُ لَهُ اكْتِفَاءً بِطُهْرِ الْعِيدِ
وَسُنَّ أَنْ يَتَأَهَّبَ لِلْإِحْرَامِ بِحَلْقِ عَانَةٍ وَنَتْفِ إبْطٍ وَقَصِّ شَارِبٍ وَتَقْلِيمِ ظُفْرٍ وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا عَلَى الطُّهْرِ كَمَا فِي الْمَيِّتِ وَذِكْرُ التَّيَمُّمِ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ مِنْ زِيَادَتِي.
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ) فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْمُدَّعَى شَيْءٌ فَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ هُنَا؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ طَلَبَ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَهُوَ غَيْرُ مَطْلُوبٍ فِيهَا بَلْ الْمَطْلُوبُ فِيهَا السِّرُّ كَمَا يَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَرَفَعَ رَجُلٌ صَوْتَهُ بِهَا فِي دَوَامِ إحْرَامِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِهْلَالِ هُنَا النُّطْقُ بِالتَّلْبِيَةِ مِنْ غَيْرِ رَفْعِ صَوْتٍ فَقَوْلُهُ: فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ أَيْ فَأَهِلُّوا بِالتَّلْبِيَةِ أَيْ: حَالَ كَوْنِكُمْ مُحْرِمِينَ بِالْحَجِّ. (قَوْلُهُ: وَالْإِهْلَالُ) أَيْ حَقِيقَتُهُ الْأَصْلِيَّةُ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْإِحْرَامُ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَحْرِمُوا وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الْمَعْنَى ارْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالتَّلْبِيَةِ مُحْرِمِينَ بِالْحَجِّ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْإِحْرَامُ أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ غَيْرُ مَطْلُوبٍ أَوَّلَ إحْرَامِهِ كَمَا يَأْتِي فَالْأَوْلَى تَفْسِيرُ أَهِلُّوا بِلَبُّوا مُحْرِمِينَ بِالْحَجِّ وَأَنَّ تَفْسِيرَهُ بِأَحْرِمُوا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّلْبِيَةِ.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ إخْفَاءَ الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ) وَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي مِنْ سَنِّ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ فِي دَوَامِ إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِبَادَةِ النِّيَّةُ وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ فِي دَوَامِ الْإِحْرَامِ كَالْهَيْئَاتِ لَهَا وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ إظْهَارُ الْعِبَادَةِ ع ش وَهَذَا يَنْتِجُ مِنْ عَدَمِ ذِكْرِ مَا أَحْرَمَ بِهِ لَا عَدَمِ السَّنِّ الَّذِي ادَّعَاهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ الْمُحْرِم إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ فِي كَلَامِهِ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا شَوْبَرِيٌّ وَأَيْضًا كَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّ التَّلْبِيَةَ وَاجِبَةٌ وَأَيْضًا قَوْلُهُ: الْمُحْرِمُ يَنْوِي غَيْرُ مُنَاسِبٍ فَإِنَّهُ مُحْرِمٌ وَلَا مَعْنَى لِكَوْنِ الْمُحْرِمِ يَنْوِي الْإِحْرَامَ وَإِنْ أُوِّلَ الْمُحْرِمُ بِالْمُرِيدِ لِلْإِحْرَامِ. (قَوْلُهُ: لَا فِي طَوَافٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ فَتَلْبِيَةٌ فِي كُلِّ حَالٍ لَا فِي طَوَافٍ
. (قَوْلُهُ: أَوْ تَيَمُّمٍ بِشَرْطِهِ) وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ الْمَاءِ حِسًّا، أَوْ شَرْعًا. (قَوْلُهُ: وَلِدُخُولِ مَكَّةَ) أَيْ: وَلِدُخُولِ الْبَيْتِ أَيْضًا وَلَا يَفُوتُ إلَّا بِالِاسْتِقْرَارِ بَعْدَ الدُّخُولِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَلَالًا) قَالَ السُّبْكِيُّ: وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ هَذَا مِنْ أَغْسَالِ الْحَجِّ إلَّا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَقَعُ فِيهِ أَيْ: فِي زَمَنِهِ شَرْحُ م ر وَع ش. (قَوْلُهُ: وَبِذِي طُوًى) أَيْ وَالطُّهْرُ بِذِي طُوَى فَالْمُبْتَدَأُ مَحْذُوفٌ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى فِي سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى بِئْرٍ مَطْوِيَّةٍ بِالْحِجَارَةِ يَعْنِي مَبْنِيَّةٍ بِهَا إذْ الطَّيُّ الْبِنَاءُ وَيَجُوزُ فِيهَا الصَّرْفُ وَعَدَمُهُ عَلَى إرَادَةِ الْمَكَانِ، أَوْ الْبُقْعَةِ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: فَلَا يُسَنُّ) أَيْ: حَيْثُ لَمْ يَتَغَيَّرْ رِيحُهُ عِنْدَ الدُّخُولِ وَإِلَّا سُنَّ الْغُسْلُ عِنْدَهُ.
(قَوْلُهُ: لِقُرْبِ عَهْدِهِ) اُنْظُرْ لَوْ اغْتَسَلَ لِلْعِيدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَأَنْ اغْتَسَلَ لَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَالظَّاهِرُ طَلَبُ الْغُسْلِ لَهَا أَيْضًا وَلَا يَكْتَفِي بِغُسْلِ الْعِيدِ نَظَرًا لِلْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ فَلَا يَكْتَفِي بِمَا تَقَدَّمَهُ وَلِوُقُوعِهِ قَبْلَ وَقْتِهِ بِخِلَافِ مَا هُنَا لَا وَقْتَ لَهُ تَأَمَّلْ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَيَظْهَرُ مِثْلُهُ فِي الْحَجِّ) أَيْ: فِيمَا لَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُرِيدٍ لِلنُّسُكِ، ثُمَّ أَرَادَهُ فِي مَكَان قَرِيبٍ، أَوْ كَانَ مَسْكَنُهُ قَرِيبًا مِنْ الْحَرَمِ ح ل (قَوْلُهُ: عَشِيَّةً) أَيْ: بَعْدَ الزَّوَالِ فَهُوَ ظَرْفٌ لِلْوُقُوفِ وَإِلَّا فَوَقْتُ الْغُسْلِ مِنْ الْفَجْرِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَشِيَّةً ظَرْفًا لِلْغُسْلِ أَيْ لِوَقْتِهِ الْأَفْضَلِ؛ لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ تَقْرِيبَهُ تَأَمَّلْ شَوْبَرِيٌّ وَإِذَا فَاتَتْ هَذِهِ الْأَغْسَالُ لَا تُقْضَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهَا ذَوَاتُ سَبَبٍ وَقَدْ زَالَ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: وَبِمُزْدَلِفَةَ) أَيْ: عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَقَوْلُهُ: غَدَاةً ظَرْفٌ لِلْوُقُوفِ لَا لِلْغُسْلِ وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ وَأَمَّا الْغُسْلُ لِلْمَبِيتِ لَهَا فَلَا يُسَنُّ اكْتِفَاءً بِمَا قَبْلَهُ ح ل. (قَوْلُهُ: وَلِرَمْيٍ) أَيْ: وَيُسَنُّ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ الزَّوَالِ لِرَمْيِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ شَرْحُ م ر وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِالْفَجْرِ لِكُلِّ يَوْمٍ ح ل.
(قَوْلُهُ: وَلِلْقُرْبَةِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ قَطْعًا لِلرَّوَائِحِ وَعِبَارَةُ م ر؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ يُرَادُ لِلْقُرْبَةِ وَالنَّظَافَةِ فَإِذَا تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا بَقِيَ الْآخَرُ وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ يَنُوبُ عَنْ الْغُسْلِ الْوَاجِبِ فَعَنْ الْمَنْدُوبِ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: فَلَا يُسَنُّ الطُّهْرُ لَهُ اكْتِفَاءً إلَخْ) أَيْ: وَلَا لِلْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ لِقُرْبِهِ مِنْ غُسْلِ عَرَفَةَ وَلَا لِطَوَافِ الْقُدُومِ لِقُرْبِهِ مِنْ غُسْلِ الدُّخُولِ م ر
. (قَوْلُهُ: يَتَأَهَّبُ) أَيْ: يَسْتَعِدُّ.
(قَوْلُهُ: بِحَلْقِ عَانَةٍ) أَيْ: فِي غَيْرِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِمُرِيدِ التَّضْحِيَةِ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: عَلَى الطُّهْرِ) أَيْ: مَا لَمْ يَكُنْ جُنُبًا فَإِنَّهُ يُسَنُّ لَهُ تَأْخِيرُهَا عَنْ الْغُسْلِ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْمَبِيتِ) أَيْ: عَلَى الْقَوْلِ بِهِ وَهُوَ الْمَرْجُوحُ فَالْمَقِيسُ عَلَيْهِ