للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِك مِنْ النَّارِ وَيُشِيرُ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ وَبَيْنَ الْيَمَانِيَيْنِ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [البقرة: ٢٠١] لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَوَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ كَالرَّوْضَةِ اللَّهُمَّ بَدَلَ رَبَّنَا (وَ) أَنْ (يَدْعُوَ بِمَا شَاءَ وَمَأْثُورُهُ) أَيْ: الدُّعَاءِ فِيهِ أَيْ مَنْقُولِهِ (أَفْضَلُ فَقِرَاءَةٌ) فِيهِ (فَغَيْرُ مَأْثُورِهِ) وَيُسَنُّ لَهُ الْإِسْرَارُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَجْمَعُ لِلْخُشُوعِ (وَ) أَنْ (يُرَاعِيَ ذَلِكَ) أَيْ: الِاسْتِلَامَ وَمَا بَعْدَهُ (كُلَّ طَوْفَةٍ) اغْتِنَامًا لِلثَّوَابِ لَكِنَّهُ فِي الْأُولَى آكَدُ وَشُمُولُ ذَلِكَ لِاسْتِلَامِ الْيَمَانِي وَمَا بَعْدَهُ مِنْ زِيَادَتِي.

(وَ) أَنْ (يَرْمُلَ ذَكَرٌ فِي) الطَّوَفَاتِ (الثَّلَاثِ الْأُوَلِ مِنْ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ) بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (مَطْلُوبٌ) بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ طَوَافِ قُدُومٍ، أَوْ رُكْنٍ وَلَمْ يَسْعَ بَعْدَ الْأَوَّلِ فَلَوْ سَعَى بَعْدَهُ لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ إفَاضَةٍ وَالرَّمَلُ يُسَمَّى خَبَبًا (بِأَنْ يُسْرِعَ مَشْيَهُ مُقَارِبًا خُطَاهُ) يَمْشِي فِي الْبَقِيَّةِ عَلَى هَيْنَتِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فَإِنْ طَافَ رَاكِبًا، أَوْ مَحْمُولًا حَرَّكَ الدَّابَّةَ وَرَمَلَ بِهِ الْحَامِلُ وَلَوْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي الثَّلَاثِ لَا يَقْضِيهِ فِي الْأَرْبَعِ الْبَاقِيَةِ؛ لِأَنَّ هَيْئَتَهَا السَّكِينَةُ فَلَا تُغَيَّرُ (وَ) أَنْ (يَقُولَ فِيهِ) أَيْ: فِي الرَّمَلِ (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ) أَيْ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ (حَجًّا مَبْرُورًا) أَيْ: لَمْ يُخَالِطْهُ ذَنْبٌ (إلَى آخِرِهِ) أَيْ: وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا لِلِاتِّبَاعِ وَيَقُولَ فِي الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمْ إنَّكَ أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمُنَاسِبُ لِلْمُعْتَمِرِ أَنْ يَقُولَ عُمْرَةً مَبْرُورَةً وَيُحْتَمَلُ الْإِطْلَاقُ مُرَاعَاةً لِلْحَدِيثِ وَيُقْصَدُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الْقَصْدُ (وَ) أَنْ (يَضْطَبِعَ) أَيْ: الذَّكَرُ (فِي طَوَافٍ فِيهِ رَمَلٌ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (وَفِي سَعْيٍ) قِيَاسًا عَلَى الطَّوَافِ بِجَامِعِ قَطْعِ مَسَافَةٍ مَأْمُورٍ بِتَكْرِيرِهَا سَبْعًا وَذَلِكَ (بِأَنْ يَجْعَلَ وَسَطَ رِدَائِهِ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَطَرَفَيْهِ عَلَى) مَنْكِبِهِ (الْأَيْسَرِ) كَدَأْبِ أَهْلِ الشَّطَارَةِ وَالِاضْطِبَاعُ مَأْخُوذٌ مِنْ الضَّبُعِ بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ الْعَضُدُ وَخَرَجَ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ رَكْعَتَا الطَّوَافِ فَلَا يُسَنُّ فِيهِمَا الِاضْطِبَاعُ بَلْ يُكْرَهُ

(وَ) أَنْ (يَقْرُبَ) الذَّكَرُ فِي طَوَافِهِ (مِنْ الْبَيْتِ)

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِحُرُوفِهِ وَقَوْلُهُ: يَقُولُهُ أَيْ: الدُّعَاءَ الْمُتَقَدِّمَ فِي قَوْلِهِ وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ اسْتِلَامِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ) أَيْ: وَهَذَا مَقَامُ الَّذِي اسْتَعَاذَ بِك مِنْ النَّارِ فِي قَوْلِهِ {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} [الشعراء: ٨٧] وَهُوَ سَيِّدُنَا إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. (قَوْلُهُ: وَيُشِيرُ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ) أَيْ: بِقَلْبِهِ لَا بِنَحْوِ يَدِهِ شَوْبَرِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَبَيْنَ الْيَمَانِيَّيْنِ) أَيْ: الرُّكْنِ الْيَمَانِي وَرُكْنِ الْحَجَرِ فَفِيهِ تَغْلِيبُ شَيْخِنَا (قَوْلُهُ: فَقِرَاءَةٌ فِيهِ) قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ: إنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي الطَّوَافِ مُسْتَحَبَّةٌ وَقَالَ مَالِكٌ بِكَرَاهَتِهَا وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقُرْآنَ أَفْضَلُ الْأَذْكَارِ فَقِرَاءَتُهُ فِي حَضْرَةِ اللَّهِ أَوْلَى كَمَا فِي الصَّلَاةِ بِجَامِعِ أَنَّ الطَّوَافَ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ كَمَا وَرَدَ فَمُنَاجَاةُ الْحَقِّ تَعَالَى فِيهِ بِكَلَامِهِ الْقَدِيمِ أَعْظَمُ وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الذِّكْرَ الْمَخْصُوصَ بِمَحَلٍّ يُرَجَّحُ فِعْلُهُ عَلَى الذِّكْرِ الَّذِي لَمْ يَخْتَصَّ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ قِيَاسًا عَلَى مَا قَالُوهُ فِي أَذْكَارِ الصَّلَاةِ بَلْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ فَافْهَمْ ذَكَرَهُ الْقُطْبُ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ (قَوْلُهُ: وَشُمُولُ ذَلِكَ) أَيْ: لَفْظِ ذَلِكَ الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ

. (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَرْمُلَ) مِنْ بَابِ نَصَرَ يَنْصُرُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَإِنْ تَرَكَهُ كُرِهَ وَالْأَوْجَهُ فِيمَا إذَا رَمَلَتْ الْأُنْثَى أَنَّهَا إنْ قَصَدَتْ التَّشَبُّهَ بِالرِّجَالِ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا سم. (وَالسَّبَبُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الرَّمَلِ) : مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ فِي السِّيرَةِ «أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ قَالُوا: إنَّ الْمُهَاجِرِينَ أَوْهَنَتْهُمْ أَيْ: أَضْعَفَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَى مَا قَالُوا، ثُمَّ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً أَرَاهُمْ مِنْ نَفْسِهِ قُوَّةً فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ؛ أَيْ: لِيُرُوا الْمُشْرِكِينَ أَنَّ لَهُمْ قُوَّةً فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ أَيْ: قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قَدْ أَوْهَنَتْهُمْ، هَؤُلَاءِ أَجْلَدُ مِنْ كَذَا، إنَّهُمْ لَيَنْفِرُونَ أَيْ: يَثِبُونَ نَفْرَ الظَّبْيِ أَيْ: الْغَزَالِ وَإِنَّمَا لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالرَّمَلِ فِي الْأَشْوَاطِ كُلِّهَا رِفْقًا بِهِمْ وَاضْطَجَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرِدَائِهِ وَكَشَفَ عَضُدَهُ الْيُمْنَى فَفَعَلَتْ الصَّحَابَةُ كَذَلِكَ وَهُوَ أَوَّلُ رَمَلٍ وَاضْطِبَاعٍ فِي الْإِسْلَامِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ» اهـ.

(قَوْلُهُ: مُقَارِبًا خُطَاهُ) بِالضَّمِّ جَمْعُ خُطْوَةٍ بِالضَّمِّ مَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ وَجَمْعُ الْخَطْوَةِ بِالْفَتْحِ خِطَاءٌ بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ كَرَكْوَةٍ وَرِكَاءٍ وَهِيَ نَقْلُ الدَّمِ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا ع ش. (قَوْلُهُ: مَبْرُورًا) الْحَجُّ الْمَبْرُورُ هُوَ: الْمَقْبُولُ وَقِيلَ: الْمَبْرُورُ الَّذِي لَمْ يُخَالِطْهُ ذَنْبٌ وَالسَّعْيُ الْمَشْكُورُ: الْعَمَلُ الْمُتَقَبَّلُ اهـ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: الْحَجُّ الْمَبْرُورُ أَنْ يَرْجِعَ زَاهِدًا فِي الدُّنْيَا رَاغِبًا فِي الْآخِرَةِ وَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا حَجَّ الرَّجُلُ بِالْمَالِ الْحَرَامِ فَقَالَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا لَبَّيْكَ وَلَا سَعْدَيْكَ حَتَّى تَرُدَّ مَا فِي يَدَيْك» ، وَفِي رِوَايَةٍ «لَا لَبَّيْكَ وَلَا سَعْدَيْكَ حَجُّك مَرْدُودٌ عَلَيْك» . (قَوْلُهُ: وَذَنْبًا مَغْفُورًا) لَعَلَّ التَّقْدِيرَ وَاجْعَلْ ذَنْبِي ذَنْبًا مَغْفُورًا وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ وَسَعْيًا أَيْ: وَاجْعَلْ سَعْيِي سَعْيًا مَشْكُورًا أَيْ: مَقْبُولًا. قَوْلُهُ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [البقرة: ٢٠١] وَهِيَ كُلُّ خَيْرٍ يُقْصَدُ تَحْصِيلُهُ فِيهَا وَمَا أَعَانَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ الزَّوْجَةُ الصَّالِحَةُ وَقَوْلُهُ: وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً هِيَ كُلُّ مَا فِيهَا مِنْ الرَّاحَةِ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَالشُّهُودِ أَيْ: الْمُشَاهَدَةِ لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ شَوْبَرِيٌّ بِزِيَادَةٍ (قَوْلُهُ: فِيهِ رَمَلٌ) أَيْ: يُشْرَعُ فِيهِ الرَّمَلُ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ بِالْفِعْلِ ح ل. (قَوْلُهُ: كَدَأْبِ أَهْلِ الشَّطَارَةِ) الشَّاطِرُ الَّذِي أَعْيَا أَهْلَهُ خُبْثًا. اهـ. مُخْتَارٌ أَيْ: أَتْعَبَهُمْ مِنْ خُبْثِهِ لَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا مَنْ عِنْدَهُ نَشَاطٌ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْعَضُدُ) أَيْ: لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْقُوَّةِ كَمَا أَنَّ الْعَضُدَ فِيهِ الْقُوَّةُ. (قَوْلُهُ: بَلْ يُكْرَهُ) أَيْ فَيُزِيلُهُ عِنْدَ إرَادَتِهِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>