لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي مُعَامَلَةِ مَنْ لَا يَرْضَى إلَّا بِهَا. وَقَالَ تَعَالَى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [البقرة: ٢٨٢] أَيْ: مُعَيَّنٍ {فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: ٢٨٢] وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الرَّهْنِ غَيْرَ الْمَبِيعِ [دَرْسٌ] فَإِنْ شُرِطَ رَهْنُهُ بِالثَّمَنِ بَطَلَ الْبَيْعُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى شَرْطِ رَهْنِ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ بَعْدُ، وَالْعِلْمُ فِي الرَّهْنِ بِالْمُشَاهَدَةِ، أَوْ الْوَصْفِ بِصِفَاتِ السَّلَمِ، وَفِي الْكَفِيلِ بِالْمُشَاهَدَةِ، أَوْ بِالِاسْمِ، وَالنَّسَبِ، وَلَا يَكْفِي الْوَصْفُ كَمُوسِرٍ ثِقَةٍ. وَبَحَثَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِهِ أَوْلَى مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِمُشَاهَدَةِ مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ وَسَكَتَ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ وَتَعْبِيرِي بِالْعِوَضِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالثَّمَنِ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ فِي ذِمَّةِ الْمُعَيَّنُ كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ عَلَى أَنْ تُسَلِّمَهَا لِي وَقْتَ كَذَا، أَوْ تَرْهَنَ بِهَا كَذَا، أَوْ يَضْمَنَك بِهَا فُلَانٌ فَإِنَّ الْعَقْدَ بِهَذَا الشَّرْطِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ رِفْقُ شَرْعٍ لِتَحْصِيلِ الْحَقِّ، وَالْمُعَيَّنُ حَاصِلٌ فَشَرْطُ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ مَعَهُ وَاقِعٌ فِي غَيْرِ مَا شُرِحَ لَهُ، وَأَمَّا صِحَّةُ ضَمَانِ الْعِوَضِ الْمُعَيَّنِ فَمَشْرُوطٌ بِقَبْضِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
شَيْخُنَا ح ف.
(قَوْلُهُ: لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا) أَيْ: إلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ م ر. وَانْظُرْ هَلْ يَجُوزُ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الثَّلَاثَةِ الَّتِي قَبْلُ أَيْضًا فَيَكُونُ رَاجِعًا لِلسِّتَّةِ تَأَمَّلْ الظَّاهِرُ نَعَمْ. قَوْلُهُ: وَقَالَ تَعَالَى {إِذَا تَدَايَنْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢] دَلِيلٌ ثَانٍ عَلَى الْأَجَلِ، وَقَدَّمَ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ عَلَى الْآيَةِ لِعُمُومِهِ، وَخُصُوصِهَا بِالْأَجَلِ فَلِذَا قَالَ: وَقَالَ تَعَالَى، وَلَمْ يَقُلْ: وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى. وَالْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ وَارِدَةً فِي السَّلَمِ فَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِ لَفْظِهَا. (قَوْلُهُ: غَيْرَ الْمَبِيعِ) الْأَوْفَقُ بِكَلَامِهِ السَّابِقِ أَنْ يَقُولَ: وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الرَّهْنِ غَيْرَ الْعِوَضِ شَوْبَرِيٌّ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّ ذِكْرَ الْمَبِيعِ لِمُجَرَّدِ التَّمْثِيلِ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا: لِعِوَضٍ وَإِنَّمَا مَثَّلَ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ يَغْلِبُ فِي الْأَثْمَانِ دُونَ الْمَبِيعِ. وَالْغَالِبُ فِي الْمَبِيعِ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا ع ش. (قَوْلُهُ: فَإِنْ شُرِطَ رَهْنُهُ) أَيْ: الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ وَلَوْ بَعْدَ قَبْضِهِ. وَقَبْلَ تَمَامِ الصِّيغَةِ وَمِثْلُهُ الثَّمَنُ فَإِنْ شُرِطَ رَهْنُ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ، وَالْمَبِيعُ فِي الذِّمَّةِ بَطَلَ، وَكَلَامُهُ أَوَّلًا شَامِلٌ لِذَلِكَ فَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مُجَرَّدُ تَصْوِيرٍ وَلِأَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ فِي بَيْعِ الْأَعْيَانِ ح ل.
(قَوْلُهُ: عَلَى شَرْطِ رَهْنِ مَا لَمْ يَمْلِكُهُ) أَيْ: الْمُشْتَرِي، أَوْ الْبَائِعُ بَعْدُ أَيْ: الْآنَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْبَيْعِ أَيْ: تَمَامِ الصِّيغَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اسْتِثْنَاءِ مَنْفَعَةٍ مِنْ الْمَبِيعِ ح ل وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ مِنْ الْمُبْتَدِئِ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ حَتَّى يَبْطُلَ الْبَيْعُ، فَلَوْ رَهَنَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ بِلَا شَرْطٍ مُفْسِدٍ صَحَّ م ر. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالشَّرْطُ الْمُفْسِدُ هُنَا أَنْ يَكُونَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ قَبْلَ تَمَامِهِ ع ش بِزِيَادَةٍ. (قَوْلُهُ: وَالْعِلْمُ فِي الرَّهْنِ) أَيْ: فِي مُتَعَلِّقِهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ الْوَصْفِ بِصِفَاتِ السَّلَمِ) وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ مِنْ أَنَّ الْوَصْفَ لَا يُجْزِئُ عَنْ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي مُعَيَّنٍ لَا مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ وَمَا هُنَا فِي وَصْفٍ لَمْ يَرِدْ عَلَى عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ شَرْحُ م ر مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: وَفِي الْكَفِيلِ بِالْمُشَاهَدَةِ) وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّهَا لَا تَعْلَمُ بِحَالِهِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْبَحْثِ مَعَهَا تَقْصِيرٌ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ عُنْوَانُ الْبَاطِنِ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: أَوْ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ) أَيْ: وَهُمَا يَعْرِفَانِ ذَلِكَ الْمُسَمَّى الْمَنْسُوبَ وَإِلَّا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْغَائِبِ سم. (قَوْلُهُ: وَلَا يَكْفِي الْوَصْفُ) وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ. (قَوْلُهُ: كَمُوسِرٍ ثِقَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَحْرَارَ لَا يُمْكِنُ الْتِزَامُهُمْ فِي الذِّمَّةِ لِانْتِفَاءِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مَمْلُوكًا وَالْمَمْلُوكُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ح ل. وَمِثْلُهُ م ر ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَهَذَا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ الضَّامِنُ رَقِيقًا مَعَ صِحَّةِ الْتِزَامِهِ فِي الذِّمَّةِ وَصِحَّةِ ضَمَانِهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَأَيْضًا فَكَمْ مُوسِرٍ ثِقَةٍ يَكُونُ مُمَاطِلًا فَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فِي الْإِيفَاءِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا يَسَارًا وَعَدَالَةً فَانْدَفَعَ بَحْثُ الرَّافِعِيِّ أَنَّ الْوَصْفَ بِهَذَيْنِ أَوْلَى مِنْ مُشَاهَدَةِ مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ. اهـ شَرْحُ م ر وَالرَّقِيقُ لَا يَرِدُ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي الْمُوسِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا. (قَوْلُهُ: مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ) وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَحْرَارَ لَا يُمْكِنُ الْتِزَامُهُمْ فِي الذِّمَّةِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ قَالَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَبِأَنَّ الثِّقَاتِ يَتَفَاوَتُونَ. اهـ شَوْبَرِيٌّ فَبَحْثُ الرَّافِعِيِّ ضَعِيفٌ وَأَجَابَ الْحَلَبِيُّ بِأَنَّهُ بِمُشَاهَدَةِ ظَاهِرِ الشَّخْصِ يُعْلَمُ حَالُهُ وَمَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ الصُّعُوبَةِ، أَوْ السُّهُولَةِ غَالِبًا وَالظَّاهِرُ عُنْوَانُ الْبَاطِنِ. (قَوْلُهُ: وَسَكَتَ عَلَيْهِ) أَيْ: رَضِيَهُ، وَأَقَرَّهُ بِخِلَافِ سَكَتَ عَنْهُ فَإِنَّهُ بِمَعْنَى لَمْ يَرْضَهُ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ رَفْقُ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِشَرْطِ كُلٍّ مِنْ الْأَجَلِ وَالرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ ح ل.
وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِتَحْصِيلِ مَا فِي الذِّمَّةِ. (قَوْلُهُ: فَشَرْطُ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ) أَيْ: الْأَجَلِ، وَالرَّهْنِ، وَالْكَفِيلِ.
وَقَوْلُهُ مَعَهُ أَيْ: الْمُعَيَّنِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا صِحَّةُ ضَمَانِ. . . إلَخْ) جَوَابُ أَمَّا مَحْذُوفٌ، وَالْمَذْكُورُ تَعْلِيلٌ لَهُ وَالتَّقْدِيرُ وَأَمَّا صِحَّةُ ضَمَانِ. . . إلَخْ فَلَا تَرِدُ إذْ ذَاكَ. الْحُكْمُ مَشْرُوطٌ بِالْقَبْضِ أَيْ: وَمَا هُنَا قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ أَيْ: وَإِذَا قُبِضَ مَا ذُكِرَ، ثُمَّ خَرَجَ مُقَابِلُهُ مُسْتَحِقًّا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بَدَلَهُ إنْ تَلِفَ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسْتَحِقُّ الثَّمَنَ، أَوْ الْمَبِيعَ فَهُوَ فِي قُوَّةِ ضَمَانِ دَيْنٍ شَيْخُنَا وَهَذَا وَارِدٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِ الْمَتْنِ لِعِوَضٍ فِي ذِمَّةٍ بِالنَّظَرِ لِلْكَفِيلِ، وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: لَا يَسْتَقِيمُ فِي مَسْأَلَةِ الْكَفِيلِ اعْتِبَارُ كَوْنِ الثَّمَنِ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ صِحَّةُ ضَمَانِ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ، وَالثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْكَفَالَةَ شَامِلَةٌ لِلضَّمَانِ وَقَدْ يُقَالُ: هَذَا السُّؤَالُ لَا يَرِدُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي شَرْطِ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ وَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ الْعَقْدِ إذْ سَيَأْتِي يَقُولُ: وَصَحَّ ضَمَانُ دَرَكٍ بَعْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute