عَنْ ذَلِكَ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَدَأَهُ الْبَادِي بِذَلِكَ بِأَنْ قَالَ لَهُ أَتْرُكُهُ عِنْدَكَ؛ لِتَبِيعَهُ تَدْرِيجًا أَوْ انْتَفَى عُمُومُ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَأَنْ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ إلَّا نَادِرًا أَوْ عَمَّتْ، وَقَصَدَ الْبَادِي بَيْعَهُ تَدْرِيجًا فَسَأَلَهُ الْحَاضِرُ أَنْ يُفَوِّضَهُ إلَيْهِ أَوْ قَصَدَ بَيْعَهُ حَالًّا فَقَالَ لَهُ: اُتْرُكْهُ عِنْدِي؛ لِأَبِيعَهُ كَذَلِكَ فَلَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَضُرَّ بِالنَّاسِ وَلَا سَبِيلَ إلَى مَنْعِ الْمَالِكِ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِ. وَالنَّهْيُ فِي ذَلِكَ لَا فِيمَا يَأْتِي فِي بَقِيَّةِ الْفَصْلِ لِلتَّحْرِيمِ فَيَأْثَمُ بِارْتِكَابِهِ الْعَالِمُ بِهِ وَيَصِحُّ الْبَيْعُ لِمَا مَرَّ قَالَ: فِي الرَّوْضَةِ قَالَ الْقَفَّالُ وَالْإِثْمُ عَلَى الْبَلَدِيِّ دُونَ الْبَدَوِيِّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ رِزْقَهُ غَيْرُ مُعَلَّقٍ عَلَى شَيْءٍ. شَيْخُنَا ح ف.
وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ: يَرْزُقُ هُوَ بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَيُمْنَعُ الْجَزْمُ لِفَسَادِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ إنْ تَدَعُوهُمْ يَرْزُقُ اللَّهُ وَمَفْهُومُهُ إنْ لَمْ تَدَعُوهُمْ لَا يَرْزُقُ وَكُلٌّ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ رِزْقَ اللَّهِ النَّاسَ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى أَمْرٍ وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَمْ تُعْلَمْ الرِّوَايَةُ وَأَمَّا إذَا عُلِمَتْ فَتَتَعَيَّنُ وَيَكُونُ مَعْنَاهَا عَلَى الْجَزْمِ إنْ تَدَعُوهُمْ يَرْزُقْهُمْ اللَّهُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ وَإِنْ مَنَعْتُمُوهُمْ جَازَ أَنْ يَرْزُقَهُمْ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ وَأَنْ يَرْزُقَهُمْ مِنْ غَيْرِهَا. (قَوْلُهُ: عَنْ ذَلِكَ) أَيْ: عَنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي أَيْ: عَنْ سَبَبِهِ. (قَوْلُهُ: مَا يُؤَدِّي) أَيْ: تَضْيِيقٌ يُؤَدِّي بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي إلَيْهِ أَيْ: إلَى ذَلِكَ التَّضْيِيقِ فَقَوْلُهُ: مِنْ التَّضْيِيقِ بَيَانٌ لِمَا، وَكَانَ عَلَيْهِ إبْرَازُ فَاعِلِ يُؤَدِّي؛ لِأَنَّ اللَّبْسَ غَيْرُ مَأْمُونٍ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى النَّهْيِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْإِبْرَازَ لَا يَجِبُ إلَّا فِي الْوَصْفِ كَمَا قَالَهُ ح ف لَكِنْ الشَّيْخُ يَس عَلَى الْفَاكِهِيِّ أَوْجَبَ الْإِبْرَازَ فِي الْفِعْلِ أَيْضًا تَأَمَّلْ.
وَقَوْلُهُ: مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ فَهُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى ع ش (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ بَدَأَهُ الْبَادِي) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ فَيَقُولُ لَهُ الْحَاضِرُ (قَوْلُهُ: آتْرُكُهُ عِنْدَك؟) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ اسْتِفْهَامٌ بِرْمَاوِيٌّ وَلَا يَتَعَيَّنُ هَذَا بَلْ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْهَمْزَةُ لِلْمُتَكَلِّمِ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَى الْمُضَارِعِ. وَقَوْلُهُ: عِنْدَك لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: أَوْ انْتَفَى عُمُومُ الْحَاجَةِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِمَا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ الِاخْتِصَاصَاتُ فِيمَا يَظْهَرُ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهَا. (قَوْلُهُ: إلَّا نَادِرًا) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى النُّدُورِ هَلْ هُوَ بِاعْتِبَارِ أَفْرَادِ النَّاسِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْأَوْقَاتِ؟ كَأَنْ تَعُمَّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ طَائِفَةٌ يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ وَأَكْثَرُ أَهْلِهَا فِي غُنْيَةً عَنْهُ كَانَ مِمَّا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَلْيُنْظَرْ صُورَةُ مَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ إلَّا نَادِرًا وَلَعَلَّهُ نَحْوُ الْبَلُّوطِ. اهـ (قَوْلُهُ: أَوْ عَمَّتْ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ لِيَبِيعَهُ حَالًا وَقَوْلُهُ: لِأَبِيعَهُ كَذَلِكَ أَيْ: حَالًا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ تَدْرِيجًا ح ل وَلَمْ يَأْخُذْ مُحْتَرَزَ الْبَقِيَّةِ إشَارَةً إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ قُيُودًا فِي الْحُرْمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: أَنْ يُفَوِّضَهُ إلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي طَلَبَهُ الْبَائِعُ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَبِيعَهُ فِي زَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْ الزَّمَنِ الَّذِي طَلَبَهُ الْحُرْمَةُ وَهِيَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ فِي حَجّ وَمَيْلُهُ إلَى عَدَمِ الْحُرْمَةِ وَقَدْ يُقَالُ: الْأَقْرَبُ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْحُرْمَةُ لِظُهُورِ الْعِلَّةِ فِيهِ. ع ش.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ وَلَوْ أَرَادَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ التَّأْخِيرَ إلَى شَهْرٍ مَثَلًا فَقَالَ لَهُ الْحَاضِرُ أَخِّرْهُ إلَى شَهْرَيْنِ لَمْ يَحْرُمْ. اهـ (قَوْلُهُ: فَلَا يَحْرُمُ) رَاجِعٌ لِلصُّوَرِ الْأَرْبَعَةِ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَضُرَّ بِالنَّاسِ رَاجِعٌ لِلصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ
وَقَوْلُهُ: لَا سَبِيلَ أَيْ: لَا طَرِيقَ إلَى مَنْعِ إلَخْ رَاجِعٌ لِلْأُولَى وَالثَّالِثَةِ. وَقَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِ أَيْ: الْمَالِكِ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ) أَيْ: الْحَاضِرَ لَمْ يُضَرَّ بِضَمِّ أَوَّلِهِ. (قَوْلُهُ: إلَى مَنْعِ الْمَالِكِ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ. وَقَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ أَيْ: الْمَنْعِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِ أَيْ: بِالْمَالِكِ أَيْ: وَلَا يُزَالُ الضَّرَرُ بِالضَّرَرِ. (قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ فِي ذَلِكَ) أَيْ: فِي الْبَيْعِ. (قَوْلُهُ: فَيَأْثَمُ بِارْتِكَابِهِ) أَيْ: النَّهْيَ بِمَعْنَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِيمَا هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي. م ر (قَوْلُهُ: الْعَالِمُ بِهِ) وَمِثْلُهُ الْجَاهِلُ الْمُقَصِّرُ وَلَوْ فِيمَا يَخْفَى غَالِبًا قَالَ شَيْخُنَا وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُعَزِّرَهُ فِي ارْتِكَابِ مَا لَا يَخْفَى غَالِبًا وَإِنْ ادَّعَى جَهْلَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحُرْمَةَ مُقَيَّدَةٌ بِالْعِلْمِ أَوْ التَّقْصِيرِ وَأَنَّ التَّعْزِيرَ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الْخَفَاءِ. ق ل وَبِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) مِنْ أَنَّ النَّهْيَ فِي ذَلِكَ لِمَعْنًى اقْتَرَنَ بِهِ لَا لِذَاتِهِ وَلَا لِلَازِمِهِ وَمُقْتَضَى كَوْنِ الْبَيْعِ مَنْهِيًّا عَنْهُ أَنَّهُ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا وَفِي كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ وَلَا يَحْرُمُ الْبَيْعُ لِحُصُولِ التَّوْسِعَةِ بِهِ أَيْ: وَإِنَّمَا يَحْرُمُ سَبَبُهُ وَهُوَ الْقَوْلُ. ح ف وَنُوزِعَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ فَيَحْرُمُ كَالْوَسِيلَةِ بِرْمَاوِيٌّ وَالْمُعْتَمَدُ: الْأَوَّلُ. (قَوْلُهُ: وَالْإِثْمُ عَلَى الْبَلَدِيِّ) وَهُوَ مِنْ الصَّغَائِرِ م ر وَعَدَّهُ حَجّ فِي الزَّوَاجِرِ مِنْ الْكَبَائِرِ وَكَذَا الْبَقِيَّةُ أَيْ: إثْمُ هَذَا الْقَوْلِ (قَوْلُهُ: دُونَ الْبَدَوِيِّ) أَيْ:؛ لِأَنَّ غَرَضَ الرِّبْحِ لَهُ دَفْعُ الْإِثْمِ عَنْهُ وَالْإِعَانَةُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ لِانْقِضَائِهَا بِانْقِضَاءِ الْكَلَامِ الصَّادِرِ إذْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ بِخِلَافِ نَحْوِ لَعِبِ شَافِعِيٍّ الشِّطْرَنْجَ مَعَ حَنَفِيٍّ إذْ لَا يَتَأَتَّى إلَّا مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَيْهِ بِرْمَاوِيٌّ وَفَارَقَ حُرْمَةَ تَمْكِينِ زَوْجِهَا الْمُحْرِمِ مِنْ الْوَطْءِ وَهِيَ غَيْرُ مُحْرِمَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute