للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويفتوا بما يقتضيه حكم الشرع الشريف، وكانوا له في نيَّةٍ عجيبة، ففرج الله عنه بطلبه إلى الديار المصرية، فسار إليها صحبة البريد ليلة الأحد، وخرج الكُبَراء والأعيان لتوديعه، وفي خدمته (١).

شهر جمادى الآخرة وأوله السبت، استهلّ والتَّجريدة عمالة إلى الكَرَك والجيش المجرَّدون من الحلقة قريب من ألف ويزيدون.

ولما كان الثلاثاء رابعه بعد الظهر مات الأمير علاء الدين أَيْدَغْمُش (٢) نائب السلطنة بالشّام المحروس في دارٍ وحده في دار السعادة، فدخلوا عليه وكشفوا أمره وأحضروا الأطباء، وَخَشَوْا أن يكون اعتراه سكتة، ويقال إنه شفي فالله أعلم، فانتظروا به إلى الغد احتياطًا، فلما أصبح الناس اجتمعوا للصلاة عليه فصلّي عليه خارج باب النصر حيث يصلى على الجنائز، وذهبوا به إلى نحو القبلة، ورام بعض أهله أن يدفن في تربة غبريال إلى جانب جامع القبيبات، فلم يمكن ذلك، فدفن قبلي الجامع على حافة الطريق، ولم يتهيأ دفنه إلا إلى بعد الظهر من يومئذ، وعملوا عنده ختمة ليلة الجمعة وسامحه.

واشتهر في أوائل هذا الشهر أن الحصار عمال على الكَرَك، وأنَّ أهل الكَرَك خرجت طائفة منهم فقتل منهم خلق كثير، وقتل من الجيش واحد وجدوا في الحصار، فنزل القاضي وجماعةٌ ومعهم شيء من الجَوْهر، وتراضَوا على أن يسلموا البلد، فلما أصبح أهلُ الحِصن تحصنوا ونصبوا المجانيق، واستعدوا، فلما كان بعد أيَّامٍ رَمَوْا منجنيق الجيش فكسروا السَّهم الذي له، وعجزوا عن نقله فحرقوه برأي أمراء المقدمين، وجرت أمورٌ فظيعة، فالله يحسن العاقبة.

ثم وقعت في أواخر هذا الشهر بين الجيش وأهل الكَرَك وقعة أخرى، وذلك أن وذلك أن جماعة من رجال الكَرَك خرجوا إلى الجيش ورَمَوْهم بالنُّشَّاب فبرز الجيش لهم من الخيام ورجعوا مشاة ملبسين بالسلاح فقتلوا من أهل الكرك جماعة من النصارى وغيرهم، وجُرح من العسكر خلق، وقتل واحد أو اثنان، وأُسر الأمير سيف الدين أبو بكر بن بَهَادرآص (٣) وقتل من العرب ناس، وأُسر آخرون فاعتقلوا بالكرك، وجرت أمور منكرة، ثم بعدها تعرّض العسكر راجعين إلى بلادهم لم ينالوا مرادهم منها، وذلك أنهم دهمهم البرد الشديد وقلة الزاد، وحاصروا أولئك شديدًا بلا فائدة، فإن البلد يُريد (٤) [مُدَدًا] (٥) متطاولة ومجانيق، ويشقُّ على الجيش الإقامة هناك في كوانين، والمنجنيق الذي حملوه معهم كُسر، فرجعوا ليتأهبوا لذلك.


(١) الدرر الكامنة (٣/ ٦٨).
(٢) ترجمته في الذيل ص (٢٣١) الدرر الكامنة (١/ ٤٢٦) النجوم الزاهرة (١٠/ ٩٩).
(٣) أمير طبلخاناه، تقي الدين، أحد أبناء بهادرآص الذكور الخمسة الذين خلفهم. الدارس (٢/ ٢٢٩).
(٤) في ط: بريد وهو غلط.
(٥) زيادة يقتضيها السّياق.

<<  <   >  >>