للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما كان في يوم الأربعاء الخامس والعشرين منه قدم من الديار المصرية على البريد القاضي بدر الدين بن فضل الله كاتبًا على السر عوضًا عن أخيه القاضي شهاب الدين، ومعه كتاب الاحتياط على حواصل أخيه شهاب الدين (١)، وعلى حواصل القاضي عماد الدين بن الشيرازي المحتسب، فاحتيط على أموالهما، وأخرج من في ديارهما من الحُرَم، وضُربت الأخشاب على الأبواب، ورسم على المحتسب بالعَذراوية، فسأل أن يحول إلى دار الحديث الأشرفية فحُوِّل إليها. وأما القاضي شهاب الدين، فكان قد خرج ليلتقي الأمير سيف الدين طَقْزدَمُر (٢) الحموي، الذي جاء تقليده بنيابة الشام بدمشق وكان بحلب، وجاء هذا الأمر وهو في أثناء الطريق، فرسم برجعته ليصادر هو والمحتسب، ولم يدر الناس ما ذنبهما.

شهر رجب الفرد وأوله الأحد، وفي يوم الأحد الثامن منه آخر النهار رجع قاضي القضاة تقي الدين السبكي إلى دمشق على القضاء، ومعه تقليد بالخطابة أيضًا، وذهب الناس للتهنئة والسلام عليه (٣). ودخل نائب السلطنة الأمير سيف الدين طقزدمر الحموي بعد العصر الخامس عشر منه حلب، فتلقاه الأمراء إلى طريق القابون، ودعا له الناس دعاءً كثيرًا، وأحبُّوه لبغضهم النائب الذي كان قبله، وهو علاء الدين أَيْدغُمُش سامحه الله تعالى، فنزل بدار السعادة وحضر الموكب صبيحة يوم الإثنين، واجتمع طائفة من العامة، وسألوه أن لا يغيّر عليهم خطيبهم تاج الدين عبد الرحيم بن جلال الدين، فلم يلتفت إليهم، بل عمل على تقليد القاضي تقي الدين السُّبكي الخطابة ولبس الخلعة، وأكثر العوام لما سمعوا بذلك الغوغاء، وصاروا يجتمعون حلقًا حلقًا بعد الصلوات ويكثرون الفرحة في ذلك، لما منع ابن الجلال، ولكن بقي هذا لم يباشر الشبكي في المحراب، واشتهر عن العوام كلام كثير، وتوعدوا السبكي بالسفاهة عليه إن خطب، وضاق بذلك ذَرْعًا، ونُهُوا عن ذلك فلم ينتهوا، وقيل لهم ولكثير منهم: الواجب عليكم السمع والطاعة لأولي الأمر، ولو أُمر عليكم عبد حبشي. فلم يرعووا، فلما كان يوم الجمعة العشرين منه اشتهر بين العامة بأن القاضي نزل عن الخطابة لابن الجلال، ففرح العوام بذلك وحشدوا في الجامع، وجاء نائب السلطنة إلى المقصورة والأمراء معه، وخطب ابن الجلال على العادة، وفرح الناس بذلك، وأكثروا من الكلام والهرج، ولما سلَّم عليهم الخطيب حين صعد ردُّوا عليه ردًا بليغًا، وتكلّفوا في ذلك وأظهروا بغضة القاضي السُّبكي، وتجاهروا بذلك، وأسمعوه كلامًا كثيرًا، ولما قضيت الصَّلاة قرئ تقليد النيابة على السدة، وخرج الناس فراحًا بخطيبهم، لكونه استمرَّ عليهم، واجتمعوا عليه يسلّمون ويدعون له (٤).


(١) الدرر الكامنة (١/ ٣٣٣).
(٢) في ط: تغردمر وهو تحريف وأثبتنا ما في النجوم (١٠/ ٨٢).
(٣) الدرر (٣/ ٩٤).
(٤) الدرر الكامنة (٢/ ٣٦١) والدارس (١/ ١٣٥).

<<  <   >  >>