للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأظهر (١) الامتناع، وأنه لا يذهب إلى الديار المصرية أبدًا، وقال: إن كان السلطان قد استكثر عليَّ ولاية دمشق فيولِّيني أيَّ البلاد شاء، فأنا راض بها. وردَّ الجواب بذلك، ولما أصبح من الغد وهو يوم الخميس وهو خامس عشره، ركب فخيَّم قريبًا من الجسورة في الموضع الذي خيم فيه عام أول، وفي الشهر أيضًا كما تقدم، فبات ليلة الجمعة وأمر الأمراء بنصب الخيام هنالك على عادتهم عام أول.

فلما كان يوم الجمعة سادس عشره بعد الصلاة، ما شعر الناس إلا والأمراء قد اجتمعوا تحت القلعة وأحضروا من القلعة سنجقين سلطانيين أصفرين، وضربوا الطبول حربيًا، فاجتمعوا كلهم تحت السنجق السلطاني، ولم يتأخر منهم سوى النائب وذويه كابنيه وإخوته وحاشيته، والأمير سيف الدين قَلاوُوْن أحد مقدَّمي الألوف، وخبره أكبر أخبار الأمراء بعد النيابة، فبعث إليه الأمراء أن هلمَّ إلى السمع والطاعة للسلطان، فامتنع من ذلك وتكرَّرت الرسل بينهم وبينه فلم يقبل، فساروا إليه في الطبلخانات والبوقات ملبسين لْأمَةَ الحرب، فلما انتهوا إليه وجدوه قد ركب خيوله ملبسًا واستعدَّ للهرب، فلما واجههم هرب هو ومن معه وفروا فرار رجل واحد، وساق الجند وراءه فلم يكتنفوا له غبارًا، وأقبل العامة وأقبل العامة وتركمان القُبَيْبات، فانتهبوا ما بقي في معسكره من الشعير والأغنام والخيام، حتى جعلوا يقطعون الخيام والأطناب قطعًا قطعًا، فعدم له ولأصحابه من الأمتعة ما يساوي ألف ألف درهم، وانتدب لطلبه والمسير وراءه الحاجب الكبير الذي قدم من الديار المصرية قريبًا شهاب الدين بن صبح، مقدمي الألوف، فسار على طريق الأشرفية ثم عدل إلى ناحية القَرْيَتين.

ولما كان يوم الأحد قدم الأمير فخر الدين أَياس نائب صفد منها، فتلقَّاه الأمراء والمقدَّمون، ثم جاء فنزل القصر وركب من آخر النهار في الجحافل، ولم يترك أحدًا من الجند بدمشق إلا ركب معه وساق وراء يَلْبُغا فانبرى نحو البرية، فجعلت الأعراب يعترضونه من كل جانب، وما زالوا يكفُّونه حتى سار نحو حماة، فخرج نائبُها وقد ضعف أمره جدًّا، وكلّ هو ومن معه (٢) من كثرة السوق ومصاولة الأعداء من كل جانب، فألقى بيده، وأُخذ سيفُه وسيوف من معه واعتقلوا بحماة وبعث بالسيوف إلى الديار المصرية، وجاء الخبر إلى دمشق صبيحة يوم الأربعاء رابعَ عشرَ هذا الشهر، فضربت البشائر بالقلعة وعلى باب الميادين على العادة، وأحدقت العساكر بحماة من كل جانب ينتظرون ما رسم به السلطان من شأنه، وقام إياس بجيش دمشق على حمص، وكذلك جيش طرابُلُس، ثم دخلت العساكر راجعة إلى دمشق يوم الخميس التاسع والعشرين من الشهر، وقدم يَلْبُغَا وهو مقيد على كديش هو وأبوه وحوله الأمراء الموكَّلون به ومن معهم من الجنود، فدخلوا به بعد عشاء الآخرة فاجتازوا في سوق السبعة بعدما غلِّقت الأسواق، وأطفئت السرج، وغلقت الطاقات، ثم مروا على الشيخ رسلان والباب الشرقي ثم على باب الصغير، ثم


(١) في ط: أظهر.
(٢) هكذا في الأصل.

<<  <   >  >>